من نك تترسال
قرقميش (تركيا) 3 أغسطس آب (رويترز) – يشك مصطفى قرطاش الذي
تكسو الأتربة علب السجائر والشاي في متجره الصغير في أن خطة
أمريكية تركية مشتركة لطرد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية من على
الحدود السورية ستحدث فرقا كبيرا بالنسبة لتجارته في أي وقت قريب.
الشارع التجاري الرئيسي في قرقميش وهي بلدة تركية يسكنها عشرة
آلاف و500 نسمة يقع في الجهة المقابلة لنقطة العبور الحدودية
مباشرة. وتم إغلاق المعبر قبل اكثر من عام وسده الجيش بحائط من
الحجارة منذ بضعة أشهر. ويرفرف داخل سوريا وراء الحائط مباشرة علم
تنظيم الدولة الإسلامية الأسود.
تقع قرقميش على المشارف الشمالية الشرقية لمستطيل من الأراضي
السورية طوله نحو 80 كيلومترا يسيطر عليه الإسلاميون المتشددون.
وتأمل الولايات المتحدة وتركيا في أن يؤدي إخراج الدولة الإسلامية
من هذه المنطقة الحدودية لحرمان التنظيم من طريق تهريب ساهم في
انضمام أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب لصفوفه وساعد في ملء
خزائنه من عوائد التجارة غير المشروعة.
وسوف يقاتل المعارضون السوريون المعتدلون الذين دربهم الجيش
الأمريكي الدولة الإسلامية على الأرض ويساعدون في تنسيق الضربات
الجوية التي ينفذها التحالف بقيادة الولايات المتحدة والتي ستنطلق
من القواعد الجوية التركية بمقتضى الاستراتيجية التي وضعتها واشنطن
وأنقرة.
ويقول دبلوماسيون مطلعون على هذه الخطط إن قطع واحد من خطوط
الإمداد الرئيسية عن الدولة الإسلامية يمكن أن يغير دفة الأمور في
هذا المكان بالحرب السورية المعقدة ويقولون إن المجموعة الرئيسية
من مقاتلي المعارضة الذين يقل عددهم عن 60 ستكون مسلحة جيدا
وستتمكن من استدعاء الدعم الجوي من على مقربة اذا دعت الحاجة.
لكن هناك تحديات كبيرة.
لا تثق تركيا بوحدات حماية الشعب الكردية التي أثبتت أنها حليف
مفيد للولايات المتحدة في قتال الدولة الإسلامية. تسيطر الوحدات
على أراض متاخمة على الجانب الشرقي من نهر الفرات المواجه مباشرة
لقرقميش وبلدة جرابلس التي يسيطر عليها المتشددون. ولا تريد لها
أنقرة أن تحرز مزيدا من التقدم وتعتبر الفرات خطا أحمر يجب عدم
تجاوزه.
ويقول سكان إنهم يسمعون أصوات معارك بالأسلحة النارية في الليل
لكن لا يستطيعون تحديد اي الأطراف الثلاثة هي التي تتبادل إطلاق
النار.
واتهمت وحدات حماية الشعب الدبابات التركية بالفعل بإطلاق
قذائف على مواقعها هنا في الأيام القليلة الماضية. وتنفي أنقرة
استهداف الأكراد لكنها تقول إن قواتها ستدافع عن نفسها إذا هوجمت.
وفي نفس الوقت تعرضت دفعة من المقاتلين الذين دربتهم الولايات
المتحدة نشرت في شمال سوريا لإطلاق نار يوم الجمعة من متشددين
منافسين وهو ما يبرز التهديد الذي يواجهونه على عدة جبهات.
قال قرطاش (33 عاما) وهو يجلس بين لعب من البلاستيك وأجهزة
منزلية بينما كان يدخن سيجارة “طبعا إذا أخرجوا الدولة الإسلامية
سيكون هذا عظيما. لكن لا أعتقد أن ذلك سيحدث في أي وقت قريب.”
وأضاف “لدي أصدقاء وزملاء على الجانب الآخر يقولون إن الدولة
الإسلامية زرعت ألغاما في المنطقة الحدودية بالكامل وكذلك في
البلدة. سيكون من الصعب جدا تطهير جرابلس.”
* “تذاكر ذهبية”
بعد أن ترددت لفترة طويلة انضمت تركيا إلى الخطوط الأمامية في
المعركة ضد الدولة الإسلامية قبل أسبوع فقط عندما قصفت مواقع
المتشددين في شمال سوريا وفتحت قواعدها الجوية أمام التحالف الذي
تقوده الولايات المتحدة وذلك بعد مقتل جندي تركي في تبادل لإطلاق
النار عبر الحدود.
ووصفت تركيا شريط الأرض الذي تريد تطهيره من الدولة الإسلامية
بأنه سيكون “منطقة آمنة”. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن
ذلك سيمهد الطريق أمام عودة أكثر من 1.7 مليون لاجئ سوري تستضيفهم
تركيا.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن هذا ليس الهدف الأساسي بينما
حذرت الأمم المتحدة من إطلاق وصف “منطقة آمنة” إلا إذا كان يمكن
ضمان حماية المدنيين.
حتى الآن لا توجد دلائل تذكر على تزحزح الدولة الإسلامية وإن
كان دبلوماسيون ومسؤولون يقولون إن العمليات لن تبدأ بجدية الا
عندما تصل طائرات التحالف إلى قاعدة انجرليك الجوية في جنوب تركيا
وهو أمر متوقع حدوثه في الأسابيع المقبلة.
وانطلاقا من هناك سيتمكن التحالف من شن ضربات بسرعة اكبر
وبوتيرة أعلى في شمال سوريا بالمقارنة بالضربات التي تنطلق حاليا
من القواعد التي يستخدمها في الخليج كما ستنفذ الغارات بعد تنسيق
أوثق مع مقاتلي المعارضة الذين دربتهم الولايات المتحدة داخل
سوريا.
وقال دبلوماسي مطلع على الخطط “هم أفضل تجهيزا بكثير بالمقارنة
بالمسلحين المعارضين الذين يقاتلون حاليا… يمكن نشرهم هنا وهناك
وفي وحدات مختلفة. إنهم يوفرون فرصة جيدة لتحقيق مكاسب في ظل
إمكانية حصولهم على دعم جوي من على مقربة.”
في بعض القرى في هذا الشريط من الحدود لا يفصل سوى سياج من
الأسلاك الشائكة بساتين التين والبندق والزيتون في تركيا عن
الأراضي الخاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية في سوريا. ويحتمي الجنود
الأتراك من الشمس الحارقة تحت أبراج مراقبة تفصل بينها مسافات
طويلة.
في الجهة المقابلة لقرقميش يوجد منزل وردي اللون في موقع بارز
يقول قرويون إنه قاعدة محلية للدولة الإسلامية ويمكن رؤيته بوضوح
من المواقع العسكرية التركية. وحوله رجال يضعون أقنعة سوداء تظهر
منها عيونهم يعززون دفاعاته ويحفرون خندقا بحفار.
قال غالب شاكر (46 عاما) الذي ترك العمل بالزراعة ليعمل في
الرعاية الصحية في مخيم للاجئين قرب قرقميش لأن ذلك يوفر له دخلا
أفضل “الدولة الإسلامية يمكن أن تكون جماعة خطيرة جدا على العالم
لكنها هنا منذ عامين تقريبا.”
وأضاف متحدثا عن خطط التحالف بقيادة واشنطن “نراقب وننتظر
وحسب.”
كانت هذه البلدة مزدهرة بفضل التجارة عبر الحدود. الآن يتجمع
الرجال العاطلون في مقهى يلعبون الورق بلا نهاية.
كان قرطاش يربح ذات يوم 3000 ليرة (1080 دولارا) في الأسبوع من
متجره أغلبها من سائقي الشاحنات المارين. والآن تبخرت أرباحه ولا
يزال متجر واحد آخر يعمل في الشارع الرئيسي. حتى الخباز وصراف
العملات تركا البلدة.
الوضع مختلف تماما عما كان عليه قبل الحرب الأهلية السورية
عندما كان البلدان يعقدان اجتماعات مشتركة لحكومتيهما وألغيا
تأشيرات الدخول في مسعى لتعزيز العلاقات التجارية.
قال قرطاش “بصراحة أنا أفضل أيام أن كانت الحكومة السورية
مسيطرة.” وأضاف “نظام الأسد لم يكن شديد السوء. لم يكن بسوء ما
أصبح موجودا الآن.”
(إعداد محمد عبد اللاه للنشرة العربية – تحرير دينا عادل)