إسطنبول (زمان عربي) – البون شاسع جدًا بين “مشروع الاتحاد الوطني والأخوة” الذي طرحته حكومة حزب العدالة والتنمية عام 2009 في تركيا من أجل تسوية المشكلة الكردية وبين مرحلة عملية السلام المعدة بعد عام 2012. حيث كان يؤكد كل من رئيس الوزراء آنذاك الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وكبير مستشاريه يالتشين أكدوغان، بإصرار، في إطار “مشروع الانفتاح”، أنهم “لن يتفاوضوا ولن يتحدثوا مع تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي أو زعيمه”، معتبرين أن الجلوس معهم على طاولة المفاوضات يعد خيانة للوطن، وأنهم لن يضفوا طابع الشرعيّة على هذا التنظيم الإرهابي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو؛ ما الذي تغيّر حتى تحول زعيم التنظيم عبد الله أوجلان الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في جزيرة إيمرالي وأعضاء وقادة التنظيم إلى المخاطبين في عملية السلام الداخلي التي أعدتها الحكومة عقب انتخابات عام 2011؟ إن البحث عن جواب لهذا السؤال في أعمال إعداد الدستور الجديد الذي أصبح حديث الساعة في تركيا بالتزامن مع هذه التطورات لن يكون تفسيراً بعيداً عن الواقع.
من وجهة نظر حزب العدالة والتنمية فإن ما يجب الفهم من “الدستور الجديد” هو الانتقال إلى “النظام الرئاسي” الذي كان يحلم به أردوغان. إلا أن أحزاب المعارضة في تركيا كانت تعارض بشدة هذا الحلم، فيما جاءت الرسائل الواردة من سجن إيمرالي التي بعث بها أوجلان معربة عن ترحيبها بفكرة أردوغان قائلاً “لا نعترض على رغبة السيد أردوغان في تطبيق النظام الرئاسي”.
الإصرار على تطبيق النظام الرئاسي أوقف أعمال الدستور الجديد أيضًا
عندما وصل الانفتاح إلى مرحلة معينة تغيّرت الأساليب والخطابات في مفاوضات عملية السلام الداخلي مع الأكراد بعد عام 2012. إذ تم تجاوز كل الخطوط الحمراء التي أعلن العدالة والتنمية من قبلُ أنها “خيانة للوطن”. وأصبح كل من العمال الكردستاني وزعيم التنظيم أوجلان مخاطبًا وطرفاً تتشاور معهما الحكومة في تلك المفاوضات.
وفي تلك الفترة أيضًا بدأت أعمال صياغة دستور جديد تحت سقف البرلمان. إلا أن رغبة العدالة والتنمية في تطبيق النظام الرئاسي بدلا عن البرلماني كانت مفاجأة للأوساط السياسية كافة. ذلك أن هذا المطلب غير المتوقع لم يكن موجوداً ضمن برنامج الحزب وبرنامجه الانتخابي في 2011 الذي وعد فيه بتشريع دستور جديد للبلاد. وكان الإصرار على الانتقال إلى النظام الرئاسي هو السبب في تعطيل أعمال الدستور الجديد.
وسرعان ما أغلقت المعارضة التركية الأبواب في وجه حلم أردوغان في تطبيق “نظام رئاسي بنكهة تركية”. وفي ظلّ هذه الأجواء المحتدمة، أصبحت مفاوضات عملية السلام مشروعًا يضع أوجلان في المقدمة ويفتح المجال أمامه ليلعب دوراً محورياً في هذا الصدد.
وكانت الحكومة تهدف ضمن خطتها إلى استخدام أوجلان كأداة في هذه المفاوضات. وكانت ترتكز هذه المرحلة الجديدة على الاستفادة من نفوذ وقوة أوجلان على كل من الشعب الكردي والعمال الكردستاني؛ أي أنه كان سيوجه دعوة إلى قادة العمال الكردستاني في جبال قنديل بشمال العراق ليلقوا السلاح ويخرجوا عناصرهم إلى خارج الحدود التركية، ليأتي بعدها الدور على انتخاب أردوغان رئيسًا للبلاد وفق النظام الرئاسي الذي كان يحلم به، وذلك عن طريق دعوة أيضاً يوجهها أوجلان للمواطنين الأكراد. إذ كان يقول أوجلان في الرسائل التي نشرتها الصحف ووسائل الإعلام “سندعم السيد أردوغان في تأسيس النظام الرئاسي”. وبهذا، كان سيتم القضاء على الإرهاب وسيحقق أوجلان مطالبه ويصبح أردوغان رئيسًا للبلاد.
قول دميرطاش لأردوغان “لن نجعلك رئيسًا” قلب الحسابات
إن مفاوضات السلام التي بدأت في 2012 تم الإعلان عنها فعليًا في مطلع عام 2013. وفي مدة السنة والنصف التالية لم تتخذ الحكومة أي إجراءات صارمة تجاه ما ارتكبه العمال الكردستاني من أعمال تحريضية مرات عديدة. إلا أنها تحركت عقب تصريحات دميرطاش المذكورة، التي أدلى بها قبل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يوينو/ حزيران الماضي، والتي حولها العدالة والتنمية إلى استفتاء عام على “النظام الرئاسي”. إذ كان دميرطاش قال في تلك التصريحات مخاطباً أردوغان “لن نسمح لك بأن تكون رئيسًا”، واستطاع أن يحصل بفضل هذه التصريحات على 13 في المئة من الأصوات وكسر حاجز الحد النسبي في البرلمان، ليصبح بمثابة الصخرة التي تحطمت عليها أحلام أردوغان في النظام الرئاسي.
ومن هذا المنطلق، فإن ثمة ضرورة للإجابة على سؤال “ما الذي جدّ في الأمر اليوم مختلفًا عما كان بالأمس ليفضل أردوغان وحكومة العدالة والتنمية الإطاحة بطاولة المفاوضات؟”.
التسلسل الزمني لأحداث العنف المتصاعد قبل وبعد 7 حزيران
في 30 مارس/ آذار 2015: استشهد المدعي العام محمد سليم كيراز الذي كان يحقق في حالات الإهمال التي تسبب في مقتل الطفل بركين ألوان خلال أحداث حديقة “جيزي بارك” في ميدان تقسيم بإسطنبول على يد إرهابيين تابعين لجبهة التحرير الشعبية الثورية اليسارية المتطرفة في غرفته بالقصر العدلي في إسطنبول.
الأول من أبريل/ نيسان 2015: قتل أليف سلطان كاسن التابعة لجبهة التحرير الشعبية الثورية اليسارية المتطرفة عقب تنفيذها هجوماً مسلحاً على مبنى مديرية الأمن بإسطنبول.
4 أبريل 2015: تعرضت حافلة لاعبي نادي فناربهشه لكرة القدم لهجوم مسلح في بلدة سورمينه في مدينة طرابزون شمال البلاد، ما أسفر عن إصابة السائق ونجاة اللاعبين من موت محقق.
11 أبريل 2015: اندلعت اشتباكات بين العمال الكردستاني وقوات الأمن في مهرجان غرس الأشجار المنظم في مدينة أغري جنوب شرق البلاد، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة 6 آخرين بينهم 4 جنود.
18 أبريل 2015: تم تنظيم هجوم مسلح في الصباح الباكر استهدف المقر العام لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي في العاصمة أنقرة.
18 مايو/ أيار 2015: تم تفجير قنابل في وقت متزامن على مقر الشعوب الديمقراطي في مدينتي مرسين وأضنة، مما أسفر عن إصابة 7 أشخاص.
5 يونيو/ حزيران 2015: تم تفجير قنبلة خلال اللقاء الجماهيري للشعوب الديمقراطي في ميدان ديار بكر، ما أدى إلى مصرع 5 أشخاص وإصابة أكثر من مئة آخرين.
9 يونيو 2015: تم قتل أيتاتش باران نائب رئيس حزب الإحياء المقرب من حزب الدعوة الحرة المرتبط بحزب الله التركي أمام منزله، ما أسفر اشتباكات في الشوارع وقعت عقب الحادث راح ضحيتها 3 أشخاص.
20 يوليو/ تموز 2015: وقع هجوم تفجيري استهدف 300 شخص كانوا قد تجمعوا في بلدة سوروج بمدينة شانلي أورفا بمناسبة الدعوة لإعادة بناء كوباني (عين العرب)، الأمر الذي أسفر عن مصرع 32 شخصًا وإصابة 103 آخرين.
25 يوليو 2015: تم قصف معاقل تنظيم العمال الكردستاني في جبال قنديل من جديد بعد فترة استمرت 3 سنوات.