ممتاز أر توركونه
أبِيعَ تنظيم حزب العمال الكردستاني في صفقة كانت البائع فيها الولايات المتحدة الأمريكية، والمشتري تركيا. خرج الطرفان من الصفقة رابحان.
فقد حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على موافقة الحكومة التركية على استخدام قوات التحالف الدولي قاعدة إنجيرليك الجوية، بالإضافة إلى ضمان مشاركة تركيا أكثر فاعلية في مواجهة التنظيم الإرهابي داعش. بينما تمكنت تركيا من إظهار تنظيم حزب العمال الكردستاني وبقاءه بمفرده حتى يتيسر لها إبطال خططه الاستراتيجية. فبالنسبة للحكومة التركية فإن داعش يشبه حاليًا العَرَض المؤقت، مثل الإصابة بالإنفلونزا الصيفية، بينما ترى حزب العمال الكردستاني كالسرطان الذي انتشر واستشرى في الجسد كله. فأفشلت الحكومة التركية العمال الكردستاني في احتفاظه على الامتيازات التي كانت تتمتع بها بصفتها “القوة المحلية” التي تواجه تنظيم داعش الإرهابي وذلك بعد أن اتفقت الحكومة بالولايات المتحدة الأمريكية. كان حزب العمال الكردستاني يحارب داعش في سوريا من أجل الدفاع عن نفسه، وكان يحصل على دعم جوي من الولايات المتحدة الأمريكية، بينما ستقدم تركيا الدعم في محاربة داعش مقابل السيطرة على العمال الكردستاني. يجب على الجميع أن لا ينسى أن هذه المنطقة اسمها الشرق الأوسط. وها هو حزب العمال الكردستاني يكرر الخطأ نفسه ويتلقى الدرس نفسه بالطريقة نفسها التي تلقته عائلة البارزاني في شمال العراق على مدار ثلاثة أجيال متتالية بطريقة تعرضها للبيع من قِبل القوى العظمى مرات ومرات. فقد كانت أمريكا وأووبا يستخدمان حزب العمال الكردستاني كالشوكة في ظهر تركيا لتهديدها. وإن قرار القيادة للعمال الكردستاني في جبال قنديل -معقلهم الرئيسي- حول إنهاء وقف إطلاق النار تجاه تركيا وتهديدها بالانتقال إلى مرحلة حرب الشوارع في المدن، كان يعني تجاوزه الحدود المسموحة له. وعندما أعلن داعش مشاركته بقوة في المشهد الدموي، من خلال التفجير الإرهابي ببلدة سروج، فقد العمال الكردستاني السيطرة على الوضع في الدور الخطير الذي كان يقوم به. ومن الأدلة على ذلك إعلان صالح مسلم رئيس الاتحاد الديمقراطي الكردي الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني في سوريا، عن رغبتهم في الانضمام إلى جيش الأسد. فماذا سيستفيد العمال الكردستاني في تركيا، من خلال انضمامه إلى قوات الأسد؟
قطع رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، صلاح الدين دميرطاش عطلته بعد بدء الجيش التركي مهاجمة جبال قنديل، معقل القوات المسلحة للعمال الكردستاني، وقال: “لن نسمح لحدوث حرب داخلية في تركيا”. ولكن من هو المخاطب في هذه الكلمات؟ من الذي عنده الأدوات اللازمة لإحداث حرب داخلية؟ هل يعقل لدولة أن تتتقبل اندلاع نيران حرب داخلية يصيب ضررها بالدرجة الأولى للمواطنين المدنيين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتها؟ وهذا يعني أن مخاطب السيد دميرطاش في كلماته هو القيادة العسكرية للعمال الكردستاني في جبال قنديل بشكل مباشر. فالساسة بحزب الشعوب الديمقراطي الكردي يقرؤون المشهد السياسي والدبلوماسي الحالي، أفضل من القادة العسكريين لتنظيم حزب العمال الكردستاني.
والوضع في الحقيقة ليس سيئاً بالقدر الذي يثار حوله المخاوف. فتنظيم حزب العمال الكردستاني لم يحصل على مكاسبه، منذ شهر مارس/آذار 2013 وإلى الآن، من خلال تسلل بعض عناصره المسلحة إلى المدن، وحفر الخنادق والأنفاق، وتكوين مخازن للسلاح والمعدات اللوجستية؛ وإنما ربحه ومكسبه الحقيقي الوحيد، هو نجاح السياسة الديمقراطية من خلال دخول حزب الشعوب الديموقراطي في البرلمان في تركيا. ما الذي سيستفيد تنظيم حزب العمال الكردستاني إذا أطلق شرارة الحرب الداخلية في البلاد؟ هل يحظى التنظيم بالصمود في وجه الجيش التركي، وهو لم يستطع الصمود أمام داعش؟ والأهم من ذلك، هل تسمَع أصوات رافضة من الخارج تجاه تركيا التي أعلنت الحرب على داعش، تطالب إياها وتقول لها “توفقوا! لا تضربوا العمال الكردستاني”، عندما تشرع للقضاء على الكردستاني؟
في الواقع، فإن تركيا تمكن من الخروج مرفوعة الرأس من حرب الأعصاب والصبر، بل ومن أكثر الحروب صعوبة كانت تهددها منذ عامين ونصف العام. وعلى الجميع، وعلى رأسهم الشعب الكردي، أن يضع في اعتباره الأعمال الأستفزازية التي قام بها تنظيم حزب العمال الكردستاني واستعداداته لتحويل البلاد إلى ساحة حرب أهلية داخل المدن، وأن ينظر إلى صبر وصمود الدولة التركية أمام كل هذا بتقدير. فحزب العمال الكردستاني باحتفاظه بعناصره المسلحة داخل الأراضي التركية، بالإضافة إلى استمراره في تجهيزاته للحرب الداخلية كشف عن نيته الحقيقية بوضوح وبشكل علني. وما تقوم به تركيا الآن من شن غارات على تمركزات المسلحين من العمال الكردستاني في جبال قنديل، هو بمثابة “تحدٍ” صريح من الدولة التركية لحزب العمال الكردستاني.
فإن الجبهة السياسية أيضا في الوقت الراهن تحتفظ باتزانها وثباتها. لأن تلك الحرب التي بدأتها الحكومة التركية المؤقتة أو المستقيلة (الحكومة الحالية قدمت إستقالتها وكلفها رئيس الجمهورية الاستمرار بمزاولة مهامها مؤقتا ريثما تتأسس الحكومة الجديدة) ليست متجهة إلى أهداف استراتيجية، وإنما الغرض منها إيصال رسالة لتنظيم حزب العمال الكردستاني مفادها: “إن كنت تريد الحرب، تفضل!”. وهنا من الممكن أن يحاول أردوغان أن يخرج من الحرب بمكاسب سياسية من أجل الانتخابات البرلمانية. ولكن الحديث عن أي انتخابات في أجواء مشحونة مهددة باندلاع حرب داخلية في أي لحظة، يعني إهانة الوطن. هل يظن أردوغان أن بإمكانه إدارة البلاد بهذه الحكومة المستقيلة حتى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وأن يمر بالبلاد من مرحلة التهديات الموجهة إلى أمن وسلامة البلاد؟ لذلك أصبح تشكيل الحكومة الإئتلافية بين حزبي الشعب الجمهري والعدالة والتنمية أمر حتمي لا يمكن غض النظر عنه. من أجل من؟ من أجل حزب العدالة والتنمية نفسه أولًا…
وماذا عن حزب العمال الكردستاني؟ بالتأكد هو مدرك تمامًا أنه قد تعرض للبيع. وخلاصه الوحيد في أخذ حزب الشعوب اليمقراطي الكردي المبادرة داخل البرلمان. وعندها سيتراجع عن فكرة الحرب الداخلية التي أطلقها هو نفسه.