قصفت طائرات حربية تركية أهدافا لتنظيم الدولة الإسلامية في
سوريا للمرة الأولى اليوم الجمعة في حين وعد الرئيس التركي رجب طيب
إردوغان باتخاذ إجراءات أكثر حسما ضد المتشددين والمسلحين الأكراد
بالداخل على حد سواء.
وتزامنت الضربات الجوية التي جاءت بعد اتصال هاتفي بين إردوغان
والرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الأربعاء مع سلسلة من حملات
المداهمة نفذتها الشرطة في جميع أنحاء البلاد لاعتقال مئات ممن
يشتبه بأنهم متشددون بينهم من ينتمون لجماعات كردية.
وقالت أنقرة أيضا إنها وافقت على استخدام الولايات المتحدة
والحلفاء لقواعدها الجوية لشن غارات على تنظيم الدولة الإسلامية
وهو ما يمثل تغييرا كبيرا في سياسة كانت نقطة حساسة بالنسبة
لواشنطن.
ولوقت طويل كانت تركيا شريكا مترددا في التحالف الذي تقوده
الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وتصر بدلا من ذلك على
ضرورة الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد كما تقول إن القوات
الكردية السورية تشكل خطرا أمنيا كبيرا.
لكن هجمات اليوم التي يقول مسؤولون إنها بدأت من المجال الجوي
التركي تشير إلى أن أنقرة ستهاجم تنظيم الدولة الإسلامية عبر
الحدود السورية بينما ستلاحق أعضاء حزب العمال الكردستاني المحظور
الذي تصفه أنقره بأنه منظمة انفصالية في الداخل.
وقال إردوغان للصحفيين “في مكالمتنا مع أوباما جددنا عزمنا على
الصراع ضد المنظمة الانفصالية وضد تنظيم الدولة الإسلامية. قمنا
بالخطوة الأولى الليلة الماضية.”
وتحركت أنقرة بعد ساعات من قول مسؤولين في واشنطن إنها سمحت
بإنطلاق طائرات مقاتلة أمريكية من قاعدة قرب الحدود السورية
لتتراجع عن رفض سابق بالسماح بضربات أمريكية بطائرات يعمل عليها
طيارون.
وتواجه تركيا تزايد انعدام الأمن على حدودها البالغ طولها 900
كيلو متر مع سوريا. وتسببت معركة بالأسلحة عبر الحدود أمس الخميس
بين الجيش ومسلحي الدولة الإسلامية في مقتل خمسة متشددين وجندي
تركي.
وشهدت تركيا أيضا موجة من العنف في جنوب شرق البلاد الذي تسكنه
غالبية كردية بعد تفجير انتحاري يشتبه بأنه من تنفيد تنظيم الدولة
الإسلامية أودى بحياة 32 شخصا كثيرون منهم أكراد في بلدة سروج قرب
الحدود مع سوريا.
لكن منتقدي إردوغان يقولون انه مهتم بشكل أكبر بكبح المقاتلين
الأكراد السوريين خوفا من أن تؤدي المكاسب التي حققوها ضد الدولة
الإسلامية في الحرب الأهلية السورية إلى تشجيع الأقلية الكردية
التركية البالغ عدد أفرادها 14 مليونا.
وقال خليل قراولي مدير تحرير ذا توركي أناليست وهي مطبوعة
سياسية “رغم أن إردوغان فشل حتى الآن في تحقيق أهدافه في سوريا –
وهو الإطاحة بالأسد – ورغم ان تنظيم الدولة الإسلامية أصبح مشكلة
فإنه أصبح آداة ملائمة بالنسبة له.”
وتابع قوله “الآن لديه كل الأسباب التي يحتاجها لملاحقة
الأكراد كما سيجعله الأمر يبدو بمظهر جيد للغاية في أعين الولايات
المتحدة التي ستسعد برؤية تركيا ضمن التحالف.”
وقال مشرعون معارضون من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد
إن إردوغان ينوي “إعاقة” المكاسب التي حققها الأكراد في مواجهة
الدولة الإسلامية.
وقالوا في بيان أرسل بالبريد الالكتروني “الهدف الحقيقي
لعمليات اليوم ليس الدولة الإسلامية لكن المعارضة الديمقراطية.”
وزادت أنباء العمليات العسكرية من قلق المستثمرين مما تسبب في
هبوط الليرة بنحو أربعة في المئة في أسبوع.
* “دون تمييز”
وذكر مكتب رئيس الوزراء التركي في بيان أن ثلاث مقاتلات إف-16
أقلعت من قاعدة في ديار بكر بجنوب شرق تركيا في الساعات الأولى من
صباح اليوم الجمعة وقصفت مقرين و”نقطة تجمع” لمتشددي الدولة
الإسلامية قبل أن تعود إلى قاعدتها.
وقال مسؤول في الحكومة التركية لرويترز “لا يمكننا القول أن
هذا بداية حملة عسكرية لكن بالقطع السياسة تنطوي على قدر أكبر من
التدخل والنشاط والاشتباك. لكن التحرك لن يحدث على الارجح دون
مبرر.”
وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إن الشرطة اعتقلت
قرابة 300 شخص في حملات اليوم الجمعة ضد من يشتبه في أنهم متشددون
ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية ومتشددون أكراد. وتعهد داود أوغلو
بمحاربة كل “الجماعات الإرهابية” دون تمييز.
وأضاف داود أوغلو في مؤتمر صحفي أن 297 شخصا بينهم 37 أجنبيا
اعتقلوا خلال المداهمات التي نفذت في أنحاء مختلفة من البلاد. وقال
إن العملية أعقبت غارات جوية نفذتها مقاتلات تركية ضد تنظيم الدولة
الإسلامية في سوريا ونجحت في تدمير أهدافها بالكامل.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن طائرات هليكوبتر وأكثر من خمسة
آلاف جندي وضابط بينهم أفراد من القوات الخاصة يشاركون في العملية.
وقالت محطتا (سي إن إن ترك) و(إن تي في) التلفزيونيتان إن شرطة
مكافحة الإرهاب داهمت اكثر من 100 موقع في انحاء اسطنبول.
وقال مسؤول كبير لرويترز “الضربات الجوية التي نفذت هذا الصباح
والعملية ضد الجماعات الإرهابية في الداخل هي خطوات تتخذ كإجراءات
وقائية ضد هجوم محتمل على تركيا من الداخل أو الخارج. هناك تحرك
صوب الدفاع النشط بدلا من الدفاع السلبي.”
وقالت تركيا أكثر من مرة إنها ستتخذ أي “إجراءات ضرورية”
لحماية نفسها من هجوم من الدولة الإسلامية أو المتشددين الأكراد.
وذكر مسؤولو دفاع أمريكيون أمس الخميس أن تركيا وافقت على
السماح لطائرات أمريكية يعمل عليها طيارون بشن ضربات جوية ضد
متشددي الدولة الإسلامية من قاعدة إنجرليك الجوية القريبة من
الحدود السورية. وتنطلق بالفعل من القاعدة طائرات أمريكية بدون
طيار.
واتفق أوباما وإردوغان خلال مكالمتهما على العمل معا للحد من
تدفق المقاتلين الأجانب وتأمين الحدود التركية.
وقد تكون هناك ميزة كبرى للطيران برحلات مأهولة تنفذ من
إنجرليك ضد أهداف في سوريا. وكانت هذه الطلعات تنطلق من الخليج.
وأثار موقف تركيا إحباط حلفائها في حلف شمال الأطلسي بما في
ذلك الولايات المتحدة والتي تركز على قتال الدولة الإسلامية وليس
الأسد. وحث الحلفاء تركيا على بذل المزيد من الجهد لمنع استغلال
حدودها كمعبر لسوريا من قبل المتشددين الأجانب.
تلفزيون رويترز
(إعداد وتحرير أيمن مسلم للنشرة العربية)