القاهرة (زمان عربي) – تحتفل مصر اليوم الخميس بالذكري الثالثة والستين لقيام ثورة ٢٣ يوليو/ تموز 1952وهي الثورة الأكثر أهمية وتأثيرا في تاريخ مصر والعالم العربي المعاصر كونها كانت ثورة بيضاء قام بها الجيش المصري وشكلت بداية لمشروع حضاري لايزال مستمرا حتي اليوم وأصبحت يوما وطنيا لمصر.
في ٢٣ يوليو/ تموز 1952 أنقذ الجيش المصري البلاد من حكم ملكي فاسد سيطرت عليه قوي الاحتلال البريطاني والإقطاع والرأسمالية المستغلة التي تكالبت علي مقدرات الشعب وحولته الي فريسة للفقر والمرض والجهل، واكتسبت الثورة تأييدا شعبيا جارفا من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة.
عاني الشعب المصري من الظلم والاستعباد وفقدان العدالة الاجتماعية وكانت الفجوة شاسعة بين طبقاته، واقتصر التعليم علي الاغنياء، وأدي الفقراء الخدمة العسكرية دون القادرين، وسيطرت حفنة قليلة من كبار الإقطاعيين علي الأرض الزراعية في مصر وعاني الفلاحون من سطوتهم فكان الإقطاعيون يملكون الأرض ومن عليها.
وفي ظل جشع الملك وحاشيته وفساد الحكم والاحزاب وفضيحة الاسلحة الفاسدة في حرب فلسطين عام 1948 وحريق القاهرة عام 1951وقمع المظاهرات الطلابية التي تطالب بالاستقلال، خرج نداء سري بين الضباط من مختلف الفيالق عرفوا ‘بالضباط الأحرار’، ضباط لاينتمون لحزب سياسي، ملأتهم القوة والشجاعة وحب الوطن فأخذوا بيد الشعب من عصر الظلم والاستعباد إلي ثورة وطنية بيضاء، وكانت ليلة الثالث والعشرين من يوليو عام ١٩٥٢، عندما انطلق هؤلاء الضابط ليعلنوا للشعب انتهاء فترة الاستعباد وبداية عصر جديد مشرق في تاريخ مصر وانتصرت إرادة الشعب الذي التف حولهم، ليؤكدوا للشعوب العربية من الخليج غلي المحيط ان قوتهم في توحدهم ليجمعوا الهمم نحو استعادة الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية
كانت ثورة يوليو 1952 علامة فارقة في تاريخ مصر، والمنطقة العربية وأفريقيا والعالم الثالث خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وشكلت مصدر إلهام للعديد من حركات التحرر في العالم.
صباح يوم الثالث والعشرين من يوليو 1952قام الضباط الاحرار بالاتصال بالسفير الامريكي لابلاغ رسالة الي القوات البريطانية بأن الثورة شأن داخلي وكان واضحا في البيان الأول للثورة التأكيد علي حماية ممتلكات الاجانب لضمان عدم تدخل القوات البريطانية الي جانب القصر ثم واصل الثوار بعد ذلك اتخاذ خطواتهم نحو السيطرة علي الحكم وطرد الملك وأجبروه علي التنازل عن العرش الي ولي عهده ابنه الرضيع أحمد فؤاد.. وتم ترحيل الملك واسرته الي ايطاليا علي متن اليخت المحروسة.
تمثلت أسباب قيام الثورة في استمرار الملك فاروق في تجاهله للاغلبية واعتماده علي احزاب الاقلية، وقيام اضطرابات داخلية وصراع دموي بين جماعة الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبد الهادي، وقيام حرب فلسطين وتوريط الملك للبلاد فيها دون استعداد مناسب ثم الهزيمة، وعدم صدور قرار من مجلس الأمن لصالح مصر عندما عرضت قضية جلاء القوات البريطانية علي هيئة الامم المتحدة، و تقليص حجم وحدات الجيش الوطني بعد فرض الحماية البريطانية علي مصر وارسال معظم قواته الي السودان بحجة المساهمة في اخماد ثورة المهدي، واغلاق المدارس البحرية والحربية، وسوء الحالة الاقتصادية في مصر، والظلم وفقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب وسوء توزيع الملكية وثروات الوطن، وسفاهة حكم الملك فاروق وحاشيته في الانفاق والبذخ علي القصر وترك الشعب يعاني الفقر.
وتمحورت دوافع الثورة في الأحوال السياسية والدستورية حيث النظام الملكي الفاسد الموالي للاحتلال البريطاني وفساد نظام الأحزاب في غياب نظام ديمقراطي سليم بسبب التلاعب في نتائج الانتخابات لصالح أحزاب الأقلية التي حكمت الدولة في ظل حكم الملك الذي كان يحمي عرشه البريطانيون.
وجهت ثورة 23 يوليو مسارها وعملها إلي بناء مجتمع جديد من خلال ستة مبادئ أساسية هي.. وضع نهاية للاحتلال البريطاني وأعوانه من المصريين الخائنين عن طريق التصدي للقوات البريطانية المرابطة في منطقة قناة السويس، القضاء علي الإقطاع، القضاء علي الرأسمالية والاحتكار الشخصي، تحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب، بناء جيش قومي قوي يستطيع التصدي للمؤامرات الأجنبية التي تهدف إلي إعاقة القوة العسكرية المصرية، كما يعمل هذا الجيش كدرع في مواجهة معارضي الثورة داخل الدولة، وضع نظام ديمقراطي سليم لمواجهة التشويه السياسي الذي حاول أن يمحو معالم الوحدة الوطنية.
رسمت ثورة 23 يوليو سياسة مصر الخارجية في كتاب ‘فلسفة الثورة’، الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مقترحا ثلاثة ميادين يجب أن تعمل فيها مصر هي العربي والافريقي والإسلامي.
ولثورة 23 يوليو الكثير من الانجازات لصالح الشعب المصري، منها تأميم قناة السويس ـ إلغاء النظام الملكي وقيام الجمهورية ـ توقيع اتفاقية الجلاء بعد أكثر من سبعين عاما من الاحتلال ـ بناء حركة قومية عربية، إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة والمراكز الثقافية، وأكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقي والفنون الشعبية ـ رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية، وقرار مجانية التعليم العام والعالي ـ مضاعفة ميزانية التعليم العالي ـ إضافة عشر جامعات في جميع أنحاء البلاد ـ إنشاء مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية، وتأميم التجارة والصناعة ـ إلغاء الطبقات بين الشعب المصري ـ والقضاء علي السيطرة الرأسمالية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي.
وعلي النطاق العربي نجحت ثورة يوليو في توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات لصالح حركات التحرر العربية ـ أكدت أن قوة العرب في توحدهم ـ أقامت تجربة عربية في الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير 1958ـ عقد اتفاق ثلاثي بين مصر والسعودية وسوريا ثم انضمام اليمن ـ الدفاع عن حق الصومال في تقرير مصيره ـ ساهمت في استقلال الكويت ـ قامت بدعم الثورة العراقية.
أصبحت مصر قطب القوة في العالم العربي، وساعدت مصر اليمن الجنوبي في ثورته ضد المحتل وساندت الشعب الليبي في ثورته ضد الاحتلال و دعمت حركة التحرر في تونس والمغرب حتي الاستقلال.
لعبت دورا رائدا مع يوغسلافيا والهند في تشكيل حركة عدم الانحياز ـ وقعت صفقة الأسلحة الشرقية عام 1955 والتي اعتبرت نقطة تحول كسرت احتكار السلاح العالمي.