جوست لاجنديجك
انتقدت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أثناء زيارتها لباكستان في 2011 المسؤولين الباكستانيين بشكل لاذع لأنهم يتغاضون عن الشبكات الإرهابية التي تتمركز في بلادهم.
وقالت كلينتون آنذاك: “يجب عدم التساهل أو الدفاع عن الذين يستهدفون المدنيين سواء كانوا من الباكستانيين أو الأفغان أو الأمريكيين. ولا يمكنكم إيواء ثعبان في حديقتكم الخلفية لتتوقعوا منه لدغ جيرانكم فحسب، لأنه سيلدغ صاحب الحديقة أيضا”.
كان لا بد لي أن أستذكر تصريح كلينتون إثر الهجوم الانتحاري الذي أودى بحياة أكثر من 30 شابا من الأتراك والأكراد في بلدة سروج جنوب تركيا. ويرى كثير من المراقبين أن تنظيم داعش الإرهابي هو من يقف وراء هذا الهجوم استنادا إلى بعض الأسباب المنطقية.
والهدف من هذا الهجوم هو تخويف أكراد تركيا، وأكراد سوريا الذين أجبروا داعش على الانسحاب من كوباني مطلع العام الجاري. وقد يكون هذا الهجوم الانتحاري تحذيرا للحكومة التركية التي بدأت في الآونة الأخيرة بعمليات مناوئة لشبكات داعش والمتعاطفين معها. وقد يكون من بين أهداف داعش إيقاع الفتنة بين الأكراد والأتراك من خلال جعل كل المتعصبين من الطرفين يلقي كل منهم بالمسؤولية على الآخر.
عليَّ أن أوضح أمرا متعلقا بكلينتون وثعابين باكستان، وهو أنه ثمة فروق مهمة بين تركيا وباكستان من حيث العلاقات مع التنظيمات الإرهابية سواء داخل حدودهما أو خارجها. إذ إن هناك أدلة واضحة على أن المخابرات الباكستانية تكيل بمكيالين، حيث استخدمتها لمواجهة بعض التيارات الإسلامية الراديكالية أحيانا، واستخدمتها لمصلحة الدولة في أوقات أخرى وذلك من خلال إنشاء علاقات متينة معها. أما المخابرات التركية فثمة إشارات واضحة إلى أنها إلى وقت قريب كانت أوصلت السلاح للمجموعات الإسلامية في سوريا بطريقة أو بأخرى، وهذا ما قد يعني وصول تلك الأسلحة لداعش. فلطالما ذهب الجهاديون إلى سوريا بكل سهولة عن طريق تركيا. كما كان أنصار داعش يتحركون بحرية تامة في تركيا.
إذن فالفرق الأساسي بين تركيا وباكستان هو أن باكستان شكلت تنظيما دقيقا يغذي الثعابين الإرهابية لمقاومة كل من يعتدي على مصالح البلاد؛ في حين أن المسؤولين في تركيا فقد أطلقوا الثعابين أو الإرهابيين في الأراضي السورية علنا في أغلب الأحيان وبشكل سري في بعض الأحيان، وسمحوا لهم بالتوسع، ظانيين بأن ذلك سيكون وبالا على عدوهم الأول بشار الأسد، وسيفيدهم في السيطرة على عدوهم الثاني أكراد سوريا. ولكن خطة تركيا في الاستفادة من الثعابين والسيطرة عليها خرجت عن يدها بعكس ما كانت تتوقع. حتى إن بعض المسؤولين الأتراك يرون أن تلك الثعابين باتت تشكل خطرا يحدق بتركيا. وقد تجمع المئات من مناصري داعش علنا يوم الأحد الماضي في إسطنبول، كما أن خالص بيانجوك وهو أحد أبرز أعضاء داعش في تركيا ألقى كلمة هدد فيها باستخدام العنف ضد معارضي داعش، وقد تغاضت عنه السلطات التركية. وفي الأسابيع الأخيرة تم حجب بعض المواقع الجهادية الإلكترونية، كما اعتُقل المئات من مختلف المناطق التركية للاشتباه بإنتمائهم لداعش. فهل هذه المرحلة هي بداية عملية تهدف إلى إزالة البنية التحتية لداعش من تركيا بشكل كلي؟ أم إنها مجرد ذر للرماد في العيون؟ وهل سيمثل مقاتلو داعش المعتقلون أمام المحاكم لتتم محاكمتهم بتهمة دعم تنظيم إرهابي؟ أم سيُفرج عنهم بعد مدة قصيرة دون توجيه تهم كما جرى مع خالص بيانجوك؟
نأمل أن تسفر مأساة سروج عن حملة منظمة ومدروسة لإزالة داعش كليا من تركيا. ويجب أن تتضافر جهود تركيا وأكراد سوريا من أجل إبعاد داعش عن الحدود التركية السورية.