القاهرة 16 يوليو تموز (رويترز) – يلقي الناقد والمخرج المصري عمرو دوارة أضواء على إنجازات “ملك” التي كانت أول فنانة تجمع بين الغناء والتلحين والعزف على العود والتمثيل وأحيت المسرح الغنائي بعد انحساره عقب موت سيد درويش وقدمت عشرات العروض أحدها من تأليف شقيق حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
ويسجل أن المسرح الغنائي في مصر “شهد انتكاسة وتدهورا كبيرا” برحيل سيد درويش (1892-1923) إلى أن أسست “ملك” فرقتها المسرحية الغنائية عام 1941 وشيدت مسرحا لتقديم عروضها وهو (مسرح أوبرا ملك) الذي افتتح في يناير كانون الثاني 1942 وكانت صاحبته “أول مطربة (مصرية) تنشئ مسرحا خاصا بها.”
ولكنه يرى أن مسمى (مسرح أوبرا ملك) غير دقيق “ويعتبر تجاوزا علميا” لأنه يوحي بأنها قدمت عروضا أوبرالية عربية أو مترجمة في حين أنها قدمت عروضا مسرحية غنائية أما فن الأوبرا فهو ما لم يستطع حتى “سيد درويش تحقيقه بجميع مسرحياته الغنائية الرائعة… وربما يكون الأخوان رحباني.. هما الوحيدان اللذان اقتربا من تقديم هذا الشكل” في العالم العربي.
و”ملك” هو الاسم الفني الذي أطلقه الخطاط محمد حسني البابا أبو الفنانتين نجاة الصغيرة وسعاد حسني على “زينب محمد أحمد الجندي” التي ولدت عام 1902 في القاهرة وتوفيت فيها يوم 28 أغسطس آب 1983 بعد أن عاشت حياة حافلة بالمجد والمأساة.
وكتاب (ملك.. مطربة العواطف وفرقتها للمسرح الغنائي) الذي أصدره المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية بالقاهرة يقع في 160 صفحة متوسطة القطع.
ودوارة مؤلف الكتاب تخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1978 ودرس الفنون المسرحية ونال الدكتوراه عام 2002 عن دراسة عنوانها (الإخراج المسرحي بين مسارح الهواة والمحترفين) وله مؤلفات منها (موسوعة المسرح المصري المصورة) منذ نشأته 1870 حتى 2014 كما أخرج عشرات العروض وهو حاليا مدير (مهرجان المسرح العربي) الذي يقام في القاهرة منذ 13 عاما وتنظمه سنويا (الجمعية المصرية لهواة المسرح) التي تأسست عام 1982.
ويقول دوارة في الكتاب إن المسرح الغنائي بعد وفاة درويش تراجع كثيرا إلى أن تمكنت “ملك” من استعادته “والخروج من أسر الأغنية الفردية إلى مجال أكثر رحابة” مستندة إلى دراستها أصول الغناء على أيدي موسيقيين رواد منهم إبراهيم القباني وزكريا أحمد وتعلمها العزف على العود على يد محمد القصبجي وبرزت مواهبها في التلحين والغناء حتى أطلق الصحفي المرموق محمد التابعي عليها لقب “مطربة العواطف” نظرا لتميز صوتها بغلالة من الأسى والشجن.
ويضيف أن “ملك” لم تكن تغني في عروضها المسرحية إلا من ألحانها ولكنها قدمت للإذاعة أغنيات لحنها موسيقيون مرموقون منهم القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي وعبد العظيم عبد الحق ومحمد الموجي وكتب كلمات تلك الأغاني شعراء منهم مأمون وكامل الشناوي وبيرم التونسي وأمير الشعراء أحمد شوقي الذي منحها قصيدتين “نظمهما خصيصا لها” وهما (بي مثل ما بك يا قمرية الوادي) و(يا حلوة الوعد) التي يقول مطلعها..
“يا حلوة الوعد ما نساك ميعادي – عز الهوى أم كلام الشامت العادي؟ كيف انخدعتِ بحسادي وما نقلوا – أنت التي خلقت عيناك حسادي”.
ويسجل الكتاب أن “ملك” قامت ببطولة فيلم سينمائي واحد هو (العودة إلى الريف) الذي أخرجه عام 1939 أحمد كامل مرسي في أولى تجاربه للسينما وأنها خاضت تجربة أخرى في فيلم (عبيد الذهب) للمخرج فؤاد شبل وبعد “أن أوشك الفيلم على الاكتمال تعثر الموزع ماليا” ولم يستكمل الفيلم.
أما المسرح الغنائي فكان الفضاء الذي سمح لمواهبها بالانطلاق حيث لعبت البطولة أمام أعضاء فرقة (أوبرا ملك) التي كانت تضم ممثلين منهم إبراهيم حمودة وإحسان الجزايرلي وحسين صدقي ويحيى شاهين وصلاح منصور والسيد بدير وعبد البديع العربي ومنسى فهمي.
ويقول دوارة إنها قدمت في الأربعينيات أكثر من 25 مسرحية غنائية ومنها (كليوباترة) تأليف أحمد شوقي و(عروس النيل) و(جواهر) تأليف محمود تيمور و(روميو وجولييت) لوليام شكسبير و(فاوست) لجوته و(مايسة) و(بنت بغداد) و(سفينة الغجر) تأليف بيرم التونسي و(بترفلاي) التي اقتبسها التونسي عن أوبرا (مدام بترفلاي) لجاكومو بوتشيني.
ويضيف أن فرقة (أوبرا ملك) قدمت عام 1942 مسرحية (سعدي) تأليف عبد الرحمن البنا الساعاتي (1908-1995) شقيق حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
ويقول إن الساعاتي كان موظفا بهيئة السكك الحديدية وله اهتمام “بالفكر والأدب الإسلامي” وكتب قصائد نشرتها صحيفة (الإخوان المسلمين) كما نشر عددا من المسرحيات التاريخية والدينية ومنها (جميل بثينة) و(المعز لدين الله) و(صلاح الدين منقذ فلسطين) و(الهجرة).
ولكن حريق القاهرة يوم 26 يناير 1952 الذي أتى على مئات من الفنادق ودور السينما والمحال التجارية شمل (مسرح أوبرا ملك) فأصابها إحباط بعد احتراق المبنى بما فيه من أثاث وديكور والأهم من ذلك فقدان النوت الموسيقية للعروض الغنائية.
ولا يجد المؤلف مبررا لاختفاء أغلب الصور الفوتوغرافية لملك وعروض مسرحياتها من أرشيف الصحف والمجلات المصرية.
وقال لرويترز إنه وجد مشقة في تقصي تاريخ “ملك” وتسجيل تفاصيل عروضها ولكنه استمتع كثيرا وهو يوثق “حلقة شبه مفقودة في تاريخ المسرح الغنائي المصري في الأربعينيات.”
وأضاف أن حياتها تراوحت بين صعود “يؤكد عبقرية مجهودها ودأبها.. والتراجيديا بسبب حريق القاهرة الذي كاد يقضي عليها” لولا أنها خرجت من عزلتها بتلبية دعوة لزيارة العراق وأقامت هناك بضع سنوات قدمت خلالها لإذاعة العراق عددا من الأغاني ومنها (أنا في انتظارك يا ورد) و(زين زين) و(صباح الخير يا لولة) من ألحانها “وكانت تبث كل صباح تقريبا”.
ويسجل المؤلف أن “ملك” بعد العودة من العراق أعادت تكوين فرقتها عام 1957 وقدمت عرضين هما (فتاة من بورسعيد) 1957 و(نور العيون) 1959 وقامت ببطولتهما أمام أعضاء الفرقة التي انضم إليها ممثلون جدد ومنهم حسن يوسف ونادية السبع ومحمد علوان.