علي بولاج
يعتبر استخدام الدولة عملاء في المجموعات الإسلامية من الإجراءات القديمة. ولم يكن هذا الأمر محصورا في المجموعات الإسلامية أو الجماعات الدينية وحدها. بل هناك عملاء داخل كل حركة سياسية، فالدولة يكون لها عملاء داخل كل حركة يسارية أو اشتراكية أو قومية أو يمينية أو ليبرالية أو مذهبية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن ما يبديه المسلمون من “تقديس الدولة” أو مبالغتهم في “حسن الظن” تجاه الذين يقدسونها يجعلهم مستعدين لتسرب عملاء أجهزة المخابرات المحلية والأجنبية بينهم.[/box][/one_third]والأبعد من ذلك، حتى التنظيمات التي تدخل في صراع مسلح ضد الدولة ليست مستثناة من هذه القاعدة. ولم يكشَف إلى الآن عن تفاصيل مسألة تغلغل عناصر من المخابرات التركية داخل اتحاد المجتمعات الكردستانية (الذراع المدني لحزب العمال الكردستاني) والتي انكشفت عام 2012.
أما السبب الحقيقي الذي أدى إلى مقتل الكاتب أوغور مومجو فلم يكن هو “الحمية الدينية” بل توصله إلى معطيات تثبت العلاقة المشبوهة بين الدولة وحزب العمال الكردستاني واستعداده لفك رموز هذه العلاقة.
من السذاجة أن نفكر أن التيار الإسلامي الذي ننتمي إليه بريء من كل شيء، فالمشكلة هي ليست محاولة الدولة خداع التيارات الإسلامية التي لها عمر يقرب من 150 عامًا أو وضع هيمنتها ورقابتها على الحياة الدينية أو الكيانات الدينية، بل المشكلة تكمن في أن التيارات الإسلامية والمتدينين لا يتصرفون بالفراسة والبصيرة في مواجهة حملات التلاعب والخداع تلك.
إن ما يبديه المسلمون من “تقديس الدولة” أو مبالغتهم في “حسن الظن” تجاه الذين يقدسونها يجعلهم مستعدين لتسرب عملاء أجهزة المخابرات المحلية والأجنبية بينهم.
لا يدرك المسلمون جيدًا ماهية هذه الدولة، فثمة ردود أفعال خاصة للدولة، وهي قوية ومرنة في الوقت نفسه تجاه الحركات المعارضة.
تبدِّل الدولة ثوبها، وتنتقل من بدن إلى آخر، لكنها لا ترغب أبدًا في أن تفقد روحها. فليس من المهم أن يكون البدن تابعا لهذه الحركة السياسية أو الجماعة الدينية تلك، المهم أن يكون زمام المبادرة بالكامل بين يدي الدولة.
لنتذكر ما قاله المحافظ الأسبق لأنقرة نوزاد تاندوغان عندما أمسك شاب شيوعي بثوبه غاضبا: “ماذا حل بكم أيها الحمقى؟ لو كانت الشيوعية لا بد منها لهذه الدولة لكنا نحن من جلبها!”.
نعم، في الواقع لو اقتنعت الدولة أنها ستتمكن من الحفاظ على قوتها المركزية بواسطة الشيوعية فإنها ستصبح شيوعية دون تردد، إلى درجة يتحير معها الشيوعيون الحقيقيون من أمرهم إذ يجدون أنفسهم وكأنهم مترجلين مقارنة بشيوعية الدولة.
المثير في الأمر أن ما ستجلبه الدولة هو “الشيوعية الإسمية” فقط، وإذا استلزم الأمر ستتحول الدولة إلى “الإسلامية الاسمية”، “الإسلامية المزيفة” التي تكون مفرَّغة من مضمونها!
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تبدِّل الدولة ثوبها، وتنتقل من بدن إلى آخر، لكنها لا ترغب أبدًا في أن تفقد روحها. فليس من المهم أن يكون البدن تابعا لهذه الحركة السياسية أو الجماعة الدينية تلك، المهم أن يكون زمام المبادرة بالكامل بين يدي الدولة.[/box][/one_third]تسيطر الدولة التي تحتكر استخدام العنف على قوتين، وهما: القوة الطبيعية والاقتصادية للمجتمع والآلية البيروقراطية. وعندما تحس الدولة بضعف تقرب من تستطيع تقريبهم من نفسها من رموز المحتجين عليها وتقدم لهم مصالح لا يستطيعون رفضها وتجلبهم إلى نفسها بمنح شيء من خزائنها وقوتها. ويهرع ضعيفو النفس إليها ويزودونها بدماء وأرواح جديدة. وهذا ما فعله الإسلاميون القدامى (الإسلاميون في التيار السياسي). ويقول الخبير التركي في علم الاجتماع والسياسة شريف ماردين: “إن حكومة حزب العدالة والتنمية هي نجاح الكمالية”، ويقول المؤرخ المخضرم كمال كاربات “لقد أطالت الكمالية عمرها بفضل أردوغان”.
لقد وجدناهم عقدوا تحالفًا مع الانقلابيين بينما كانوا يسعون لتطهير الدولة منهم. ومن الذين حققوا ذلك في رأيكم، من غير عملاء الدولة المتسربين داخل التيار الإسلامي؟
عندما يتملك الإسلاميون والمنتمون إلى الجماعات والطرق الدينية الدولة الظالمة يصيرون هم أيضًا ظلمة. لست عدوًا للدولة، وأعوذ بالله من أن أبغض أردوغان ومسؤولي حزب العدالة والتنمية.
وأنا أتمنى أن تكون تركيا دولة قانون، فمهمة الإنسان المسلم هي إدخال الدولة في إطار القانون والحفاظ عليها في هذا السياق، وكان من الممكن أن تنجح السياسة الإسلامية في ذلك، لكنها أُوقفت عام 2002. لكن إن شاء الله سيحاسب أرباب هذه السياسة أنفسهم محاسبة متعددة الجوانب لتواصل سيرها من حيث وقفت.
وإن استطاع الزملاء الذين يدافعون عن حزب العدالة والتنمية أن يناقشوا أفكارهم في إطار الأدب، ودون سوء الظن، فلاشك في أن هذا سيتمخض عنه نتائج مثمرة.
جريدة زمان 9/7/2015