ويسل أيهان
ما هي مهمة المخابرات الأمريكية CIA ؟ لنفترض أن أقارب الرئيس باراك أوباما تورطوا في أعمال فساد ورشوة. فهل كانت المخابرات الأمريكية ستتستر عليهم؟ أو هل يستطيع أوباما أن يأمر جهاز المخابرات بنشر أخبار الفضائح أو وثائق مزورة تتعلق بمعارضيه في الصحف بمساعدة من جهاز المخابرات؟ إننا لا نستطيع أن نتخيل ذلك. فالمخابرات الأمريكية لا يمكن أن تعمل كشركة أمن خاصة للرئيس.
وهل بإمكان المخابرات الألمانية BND أن تعمل لمصالح عائلة ميركل الشخصية؟ بالطبع لا. فلا المخابرات الأمريكية ولا الألمانية ولا غيرها من المخابرات يمكن أن توافق على مثل هذه الأعمال.
فعلى سبيل المثال لا يمكن لرئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون أن يقول عن رئيس جهاز المخابرات (M15) بأنه صندوق أسراره كما قال أردوغان هذا الكلام في وصف رئيس المخابرات التركية خاقان فيدان. ولو أنه قال ذلك لقيل له: ما هي الجرائم التي ارتكبتموها معا، ولعزلوه من مهامه فورا.
أما في تركيا فالمخابرات غدت مثل شركة أمن خاصة لحزب العدالة والتنمية. ومهمتها الأساسية هي نشر تسجيلات صوتية أو مصورة ابتزازية لمعارضي أردوغان وذلك للقضاء عليهم أو إسكاتهم.
ولنلق نظرة سريعة على الأحداث التالية:
1- كان أحد الصحفيين في إعلام أردوغان، ومعروف أنه وثيق الصلة بالمخابرات قد أعد الأسبوع الماضي وهو جالس في مكتبه خبرا دارت أحداثه في جزيرة قبرص. ولا بد لمن يعد خبرا مثله في الظروف العادية أن يذهب إلى قبرص لتتبع أحداث ذلك الخبر (إذ كان في الخبر ادعاء بأن أحد العاملين في أحد وسائل الإعلام المعارضة يقضي أياما في قبرص وينفق أموالا بمبالغ كبيرة). فهل يمكن إعداد مثل ذلك الخبر من دون مساعدة المخابرات؟
2- هذا الصحفي نفسه اعترف في صحيفة” يني شفق” بأن المخابرات هي التي نشرت تسجيلات المكالمات الهاتفية التي استخدمها أردوغان في حملاته الانتخابية والتي تحتوي على الحديث عن فاكهة “الأناناس”. (وفي أحد تلك التسجيلات كان الأستاذ فتح الله كولن يريد إرسال فاكهة الأناناس لأحد رجال الأعمال). إذن فثمة من يتنصت على الهواتف بطرق غير مشروعة وينشرها في الإنترنت أي إن جهاز المخابرات يحارب معارضي أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
3- قبل يوم واحد من انتخابات 7 يونيو نشرت صحيفة صباح خبرا استفزازيا موجها إلى وكالة أنباء جيهان. وذُكر في الخبر معلومات خاصة بمدير الوكالة عبد الحميد بيليجي ومواعيد الرحلات الخارجية بالخطوط الجوية التركية. فمن الذي يمكنه تقديم مثل هذه المعلومات إلى الصحف الموالية لأردوغان؟
4- نشرت صحيفتا صباح وتقويم التابعتين لأردوغان صورا لمتطوعي حركة الخدمة على مدى 7 أيام متواصلة. حيث افتروا على مئات الناس. ولا أحد بإمكانه الإتيان بتلك المعلومات سوى جهاز المخابرات.
5- كانت إحدى الصحف الموالية لأردوغان نشرت صورا فاضحة لرئيس مجلس الإدارة لأكبر شركة قابضة تأتي في المرتبة الأولى من حيث دفع الضرائب للدولة، أثناء رحلة بحرية وفي يخته الخاصة به، وذلك لأنه قال كلاما لا يروق لأردوغان. فما هو مصدر هذا الخبر المخزي يا ترى؟
6- من الذي وفر لإعلام أردوغان صورا لبعض أعضاء البرلمان من حزب الشعب الجمهوري، ومن بينهم محرم إينجه وهم يشربون الخمر قبل يوم واحد من الانتخابات وصورا أخرى خاصة للبرلماني من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بينجي يلديز وهو يقضي عطلته في بودروم السياحية.
7- من الذي صور بعض المشاهد لمسؤولين في حزب الحركة القومية قبيل انتخابات 12 يونيو 2011 ما أدى إلى استقالتهم ونشرها في الانترنت؟ وشريط نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الجمهوري عاكف حمزة تشبي… إذ لم يُعرف فاعل ذلك كله فماذا يعني ذلك؟
8- من الذي نشر مشاهد لرئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دنيز بايكال الذي كان يحرج العدالة والتنمية في البرلمان؟ وذلك قبيل انتخابات 12 يونيو. وقد نشر ذلك للمرة الأولى على موقع جريدة” عقد” المعروفة بقربها من أردوغان، ولم يُعرف الفاعل إلى الآن، فإلى أي شئ يشير ذلك؟
9- قال كمال كليتشداراوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري : “هناك مجموعة مكونة من 4 أشخاص من المخابرات مهمتها الإفتراء علينا” ردا على أكاذيب تخطيط كيليتشداراوغلو لاغتيال سيمة ابنته أردوغان، ولم يصدر أي تكذيب من المخابرات لهذا الادعاء. فماذا يعني ذلك؟
10- وقبل 8 أشهر من كشف فضائح أعمال الفساد والرشوة في 17-25 ديسمبر 2013 انكشف أن جهاز المخابرات حذّر أردوغان رئيس الوزراء آنذاك قائلا: “في حال انكشاف العلاقة الموجودة بين رجل الأعمال من أصل إيراني رضا ضراب، والوزيرين ظفر تشاغلايان ومعمر جولر قد تبقى حكومتكم في وضع حرج …”. فهل يمكن لمؤسسة مستقلة أن تقول مثل هذا الكلام؟ ألا يعني هذا أن هناك جريمة ترتكب فيجب التستر عليها؟
وكان رئيس المخابرات خاقان فيدان قد صار عضوا في العدالة والتنمية، وترشح لعضوية البرلمان لكنه عاد إلى منصبه لأن أردوغان قال له “أنا أحتاجك في جهاز المخابرات”. وصارت رئاسة فيدان للجهاز مطعونا عليها قانونا لأنه فقد حياديته. فلا فرق بينه وبين رئيس فرع لحزب العدالة والتنمية. والفرق الوحيد هو أنه يخدم مصالح العدالة والتنمية أكثر من غيره، لكن من خلف ستار.
والنتيجة هي أن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشداراروغلو اعترض على الوضع قائلا: “إن جهاز المخابرات يسعى لإثارة القلاقل في حزبنا”.
وقال زعيم حزب الوحدة الكبرى مصطفى دستيجي: “جهاز المخابرات ينفذ عمليات في حزبنا. وأطالب رئيس المخابرات برفع يده وسحب عملائه عن حزبنا”.
وقال نائب حزب الشعب الجمهوري أوموت أوران حول مؤامرة إغتيال سمية ابنة أردوغان التي حاولوا ربطها به: “إنها هجمة من جهاز المخابرات على الحزب الجمهوري وليست علي شخصيا فحسب”.
من جانبه قال رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي: “جهاز المخابرات يتصرف وكأنه منفذ لتعليمات حزب العدالة والتنمية. ويجب عليه أن يكف عن تقديم المعلومات للإعلام الموالي للحكومة وأردوغان من تحت الطاولة”.
فجهاز المخابرات بات أحد أهم المشاكل في تركيا لأنه يتمتع بصلاحيات واسعة النطاق ولا يخضع لأية رقابة إطلاقا.
وكما هو واضح فإن جهاز المخابرات أصبحت مهمته الوحيدة في السنوات الأخيرة هي ملاحقة معارضي العدالة والتنمية كملاحقة الظل لصاحبه. وتقديم المعلومات إلى الإعلام الموالي عن طريق نوح يلماز الذي تم نقله من إعلام أردوغان إلى جهاز المخابرات.
كثير من الأحداث مجهولة الفاعل:
أحداث بلدة أولوديره حيث قُتل أكثر من 30 شخصا من القرويين الأكراد. أحداث باريس التي قُتل فيها 3 من النساء المسؤولات في حزب العمال الكردستاني بغموض. حادثة الطائرة التي سقطت على الحدود السورية التي زعِم بأن سوريا هي التي أسقطتها. حادث اغتيال المدعي العام الذي استُشهد في القصر العدلي بمنطقة تشاغلايان وسط إسطنبول.
الهجمات على فريق كرة القدم فنربهشه. حادثة انفجار القنبلة التي فجرها أحد عناصر داعش الذي كانت قوات الأمن تلاحقه أثناء مظاهرة حزب الشعوب الديمقراطي بمدينة ديار بكر التي أسفرت عن مقتل 3 أشخاص. وهناك عشرات الأحداث غيرها مشبوهة فيها.
فهل بقي هناك من يصدق بأن جهاز المخابرات يعمل لمصلحة البلد دون محسوبيات؟ وهل هناك أحد من ذوي العقول السليمة لم يدرك بعد بأن جهاز المخابرات بات يعمل كشركة أمنية خاصة بأسرة حاكمة؟