بقلم: علي أونال
ثمة مَن لا يدركون أهمية وشأن “حركة الخدمة” من الذين يعارضونها، وكذلك لا أعرف إذا ما أدرك ذلك إدراكاً تاماً معظمُ أولئك التابعين للخدمة الذين ينطبق عليهم المثل القائل “الأسماك تعيش في البحر لكنها لا تشعر بوجوده”. وفي رأيي، تحظى حركة الخدمة بدرجة كبيرة من الأهميّة من ثلاث نواحي على وجه الخصوص، يمكن بيانها على النحو الآتي:
الناحية الأولى؛ إن حركة الخدمة هي خدمة قرآنية وإيمانية في المقام الأول. وكما يعلم الجميع فالإيمان هو أكبر قيمة بالنسبة للإنسان لأنه الطريق إلى السعادة والحياة الأبديتين عند الله تعالى في الدار الآخرة. وكما أن الكفر صمت رهيب؛ لأنه يطمس أيْ يكفر وظائف وغايات جميع هذه المخلوقات، ويسلب المعنى من كل الموجودات ويحكم عليها بالعبثية، كذلك فإن الإيمان ينطوي على قيمة خالدة من حيث أنه الاعتراف بوظائف ودلالاتِ ومعاني الموجودات المتمثلة في أنها آية ومرآة تدل على وجود الله تعالى وعظمته.
وانطلاقاً من ذلك فكما أن إحياء الإنسان ماديًّا، أي إعادة العافية إليه من الناحية الصحيّة، له ثواب بقدر ثواب “إحياء” جميع الناس كافة بإذن الله تعالى، كذلك فإن ثواب إحياء الإنسان بالإيمان من الناحية الروحيّة أكبر وأفضل من سابقه بقدر الفارق بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة.
ولهذا السبب جاء في الحديث الشريف أن الوسيلة لإيمان إنسان أفضل من امتلاك حُمْرِ النَّعَمِ بمقدار الصحارى بل وأقيم مما على وجه البسيطة وما في باطنها. ولهذا قال الرسول الأكرم لدى عودته من الطائف، في يوم وصفه بأنه الأصعب في حياته ردًا على عرض سيدنا جبريل – عليه السلام – بأن يهلك أهل الطائف إن شاء: «عسى أن يخرج من أصلابهم أقوام يقولون ربنا الله ولو بعد سنة أو مئة سنة”؛ أي أن الرسول قال إنه في إمكانه تحمل مشقة هذا العذاب لمئة سنة في سبيل إيمانِ، ولو رجلٍ واحد، وإدخاله الإسلام.
الناحية الثانية؛ أن الأزمات الكبيرة تفتح الأبواب لظهور تيارات كبيرة. حيث إن المنافسة بين البريطانيين والألمان في القرن التاسع عشر سبّبت الحرب العالمية الأولى، فيما ولّدت الأزمة الاقتصادية المندلعة عقب الحرب الفاشية والنازية. وكانت الفاشية والنازية من ضمن الأسباب الرئيسية في الحرب العالمية الثانية أيضًا، واللتان أفضتا إلى زيادة شعبية الشيوعيّة وجاءتا بالستار الحديدي. على أن هذه السنوات التي شهدت أزمات وأحداثاً كبيرة أصبحت السنوات التي حظي فيها الإسلام باهتمام واسع في الغرب، كما أن تلك السنوات شهدت أكثر عدد من الأبحاث والدراسات التي أجريت باسم الإسلام، إلا أنه لم يكن ثمة نموذج يمثل الإسلام ويجسّده. فالعالم يهتز اليوم أيضاً بأزمات، وينطوي على أزمات أكثر خطورة لم يكشف عنها بعد. وفي خضم دوامة هذه الأزمات، فإن حركة الخدمة تحمل طابعاً وتمتلك إمكانية يجعلانها واحة يلوذ إليها الناس من كل حدب وصوب بفضل القبول الذي حظيت به في العالم أجمع – بإذن الله – والأداء الذي أظهرته من خلال أنشطتها وفعالياتها الناجحة.
الناحية الثالثة؛ أن العصر الراهن هو أكثر العصور التي اهتزت فيها القيم الدينيّة والروحانيّة والأخلاقيّة وتعرّضت فيها للتعرية. ونعتت الأحاديث الشريفة هذا العصر بـ”عصر الدجال”، وذكرت أنه ليس هناك فتنة أعظم شرًّا من فتنة الدجال منذ سيدنا آدم – عليه السلام – حتى يوم القيامة. إذ تحمل هذه الفتنة صفات تجعلها أكبر الفتن، مثل استناد إنكار الدين والإلوهيّة إلى العلوم والفلسفة، وانتشار النفاق” المحترف” في العالم الإسلامي على وجه الخصوص، وتعثر ممارسة الحياة الدينيّة كالقبض على جمرة من النار وذمّ هذه الحياة، والإساءة للقيم الأخلاقية وتصوير بعض القيم غير الأخلاقية على أنها من ضمن حريات الإنسان، وزيادة وانتشار الفساد وسفك الدماء؛ أكبر ذنبين لخلقة الإنسان ومهمته في الأرض. كما أن “ظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس”، واستمرار نزاع الحيوانات في عالم الحيوان بسبب فساد النظام الإيكولوجي بصورة تتنافى مع قوانين الخلق وسنن الحياة، يزيد من حجم هذه الفتنة.
ولهذا فحركة الخدمة، باعتبارها حركة مناقضة ومعارضة بالكامل لهذه الفتنة، تضطلع بمهمة تتمثل في وضع الأمور في نصابها الصحيح، وإحلال الصلح العام على وجه الأرض، وإعادة تأسيس النظام الأول والحقيقي لهذا الكون. ومن أجل ذلك فإن جميع الرسل والأنبياء حذّروا أقوامهم من عذاب القبر وفتنة المسيح الدجال، في حين أنهم بشروهم بقدوم الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والخدمات الإيمانية والقرآنية في آخر الزمان.