أرجون باباهان
من الواضح أن السيد دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية على ثقة بأن اللعبة السياسية هذه المرة لم تنته بعد، وأن الطريق يتجه لا محالة إلى الانتخابات المبكرة. ويرى في الأفق أن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان يسعى لتشكيل حزب العدالة والتنمية الحكومة بمفرده، ويضع قواعد لعبته المقبلة وفقًا لاحتمال إجراء الانتخابات المبكرة.
إن حزب العدالة والتنمية، الذي تراجعت نسبة أصواته في الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو/ حزيران الماضي، إلى ما دون 41%، يخطط لرفع أصواته إلى مستوى ما بين 43 و45% من خلال أصوات يقتطعها من شعبية حزب الحركة القومية. فالقاعدة الشعبية لحزب الحركة القومية المحافظة في الأناضول هي الباب الوحيد المتبقي أمام حزب العدالة والتنمية لجلب الأصوات بعد أن أغلق مرحلة الانفتاح ومسيرة السلام مع الأكراد، وخسر شعبيته في منطقتي شرق وجنوب شرق الأناضول حيث الكثافة السكانية الكردية.
يضع أردوغان في اعتباره عدم التوافق بين أحزاب المعارضة، ويُراهن على هذه الشريحة من المجتمع التي تخشى عدم الاستقرار بجانب خوفها من انقسام البلاد، ويرى أن هذه الشريحة ستتجه للتصويت لحزب العدالة والتنمية.
ويشمر أردوغان عن ساعديه لجلب أصوات الكتلة القومية التركية وجمعها في حزب العدالة والتنمية من خلال التلويح بخيار الدخول في حرب في شمال سوريا لمنع إقامة دولة كردية على حدود البلاد الجنوبية، والدخول في صراع مع منظمة حزب العمال الكردستاني. ويوما بعد يوم نُلاحظ تزايد الحدة على لسان أردوغان في تصريحاته عن الأزمة الكردية. فخطاب رئيس الجمهورية وتصريحاته لا تدعو للسلام والوحدة، عكس ما يجب أن تكون عليه بحكم المنصب الذي يشغله.كما يبدو جليًا أن هدفه لم يعد تحقيق السلام وتوحيد صفوف المجتمع.
ما يحتاجه هو 2% فقط…
الهدف الوحيد والضروري لأردوغان هو إيجاد طريقة تمكنه من حماية إعلامه، والمقربين منه، وقوته، وقصره الجديد، إلى درجة أنه لا يريحه حتى إقتراح رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشداراوغلو بأنه من الممكن تأجيل فتح ملف تحقيقات الفساد والرشوة الذي تم إغلاقه ورفعه من جدول الأعمال.
أمَّا لضبط وتسخير رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو الذي يبدو أنه ينظر إيجابيًا إلى الدخول في تحالف مع حزب الشعب الجمهوري، فيجتمع (أردوغان) من حين لآخر مع الرئيس السابق عبد الله جول لكسر شجاعة داوداوغلو تجاه هذا التحالف. ويخوفه بذلك ويجعله يفهم أنه إذا خالفه في أي موضوع فمن المحتمل أن يعود جول إلى المشهد في المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية ليترشح لرئاسة الحزب. ولهذا السبب فإن داوداوغلو لا يجرؤ على اتخاذ أي قرار بالرغم عن أردوغان.
فالرئيس أردوغان يبدو من جهة أنه يدعم البحث عن حل داخل البرلمان، يخبئ وجهه الآخر الذي يرفض تنفيذ مخططات تشكيل حكومة ائتلافية محتملة. وسيطرته التي يفرضها على الحزب تمنحه تلك القوة لفعل ذلك.
إن تشكيل حكومة إئتلافية تستمر سنتين على الأقل ستكون كارثة بالنسبة لأردوغان لأن البرلمان سيعمل في هذه الحالة خارج رقابته، إذ إن أعضاء البرلمان سيكون بإمكانهم أن يعملوا باستقلالية أكثر. ولن يكتفوا بإعادة فتح ملفات الفساد والرشوة فقط، وإنما سيتدخلون في مناقشات ميزانية الدولة، وسن قوانين ترفع من مستوى الديمقراطية في البلاد.
وإن برلمانا كهذا يعني وضع نقطة النهاية لنظام الرجل الواحد الذي أسسه أردوغان وهيمنته على جهاز القضاء ورجال الشرطة.
لذلك فإن أردوغان سيبذل قصارى جهده للحيولة دون تحقق ذلك الكابوس الموجع الذي يؤرق نومه. ويبحث عن 2% فقط من الأصوات التي يحتاجها في الانتخابات المبكرة المحتملة.
بهشلي على دراية باللعبة…
من الممكن أن يجعل أردوغان حزب العدالة والتنمية يحصل على ما ينقصه من الأصوات من شعبية حزب الحركة القومية من خلال استغلال النزعة القومية التي لديهم بمواجهة الأكراد، ملوحًا بعصا الفوضى وعدم الاستقرار. وإن حصل على أكثر من 270 مقعدا في البرلمان، ستكون مهمته أكثر سهولة من اليوم.
وبدأ رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي يتبع نهجًا أكثر حدة تجاه السياسة الكردية، لأنه يرى ويدرك مخطط أردوغان جيدًا. حتى أنه رفض أن يظهر في المشهد السياسي بجانب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في التصويت على اختيار رئيس البرلمان، لأنه يدرك جيدًا أيضًا أن حزب العدالة والتنمية وأردوغان سيستغل هذا لشن حملة سوداء ضد حزبه القومي التركي قائلا: “إن حزب الحركة القومية تعاون مع الإرهابيين”.
ولكن تلك السياسات القائمة على أساس حسابات الحصول على الأصوات، يقطع صلة المواطنين الأكراد العاطفية مع الدولة التركية يوما بعد يوم. والتهديد الحقيقي بالنسبة لمستقبل تركيا ليس هو إقامة دولة كردية في شمال سوريا، وإنما هذا الانفصال العاطفي لدى الأكراد تجاه الدولة…