صدر العدد 49 من مجلة حراء، والذي يحتوي بين دفتيه مواضيع مهمة وشيقة، تجمع بين البناء الفكري والطرح العلمي، والتنوع الثقافي. وفي افتتاحية “حراء” لهذا العدد، يشيد الأستاذ “فتح الله كولن” بعظمة الانتصارات الروحية التي توّجت انتصارات أولئك العظماء الفاتحين من رجال الحروب والمعارك، ويشير إلى أن عظمة الإنسان العظيم لا تتحقق إلا بانتصاره للروح، والوقوف معها بالضد من نوازع اللحم والدم، وبالضد من انتفاخ الـ”أنا”، وتورمها إلى حد الشعور بأن العالم يوشك أن يركع تحت قدمي صاحبها، وأنه كاد يكون محورًا للكون يدور عليه ويدور من أجله، وأن كل شيء ما عداه، ينبغي أن يخطب ودَّه، ويسبح بحمده، ويطيع أمره، ويجري حيث يجري هواه ورغبته.
وجنون العظمة هذا كثيرًا ما كان سببًا في سقوط الرجال وانكسار الدول والشعوب، وتحطم الإمبراطوريات وتفككها وانهيار سطوتها. فالأحداث العظيمة في التاريخ، لا تحركها إلا القوى الروحية العظيمة التي يمتلكها رجال الفعل التاريخي، كما يفيدنا التاريخ نفسه، وتعلمنا أحداثه ووقائعه.
وفي باب “علوم” يحدثنا الأستاذ “خلف أحمد محمود أبو زيد” في مقاله العلمي الممتع عن “هل يحزن الحيوان؟”، مستشهدًا بجملة من الوقائع والملاحظات والدراسات لبعض العلماء المهتمين بسيكولوجية الحيوان، على أن الحيوان -شأنه شأن الإنسان- تنتابه مشاعر الحزن والألم والقلق من موت عزيز عليه أو فقدان رفيق له.
و”الكرامة الإنسانية وأثرها في البناء الحضاري” يكتب الدكتور “ربيع بيومي” في مقال تحليلي يخلص في خاتمته إلى أن الكرامة الإنسانية من أعظم دعائم أي صرح حضاري بنيناه، أو يمكن أن نبنيه في المستقبل القريب أو البعيد.
“الإيجابية” فكرًا وسلوكًا، من أهم محفزات القوى العاملة في النفس الإنسانية، كما أثبت ذلك الباحثون، وخلصت إليه التجارب والدراسات العلمية، فالإيجابية تعمل على تأجيل مراحل الشيخوخة وإبقاء الجوانب الحيوية في الإنسان المؤمن إلى أمداء بعيدة كما يقول الدكتور “عبد الدائم الكحيل” في مقاله “أهمية السلوك الإيجابي في حياة المؤمن”.
وفي مقال “القابضون على الجمر”، يخوض الدكتور “عبد المجيد بوشبكة” فيما تموج فيه ساحاتنا الفكرية والثقافية والدعوية من اختلاط أوراق، وتزاحم منافع ومصالح حتى غدا الصادق كاذبًا، والكاذب صادقًا، والأمين خائنًا، والخائن أمينًا.. ولكن ستبقى الحقيقة والقابضون عليها هي المنتصرة في آخر المطاف، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾(الرعد:17).
وفي مقال يعالج فيه الدكتور “بركات محمد مراد” “الذكاء العاطفي عند الطفل” يبين فيه أن هناك توازنًا قائمًا بين العقل العاطفي والعقل المنطقي، ومن أجل إنشاء شخصية الطفل السوية يؤكد علماء النفس أن تقويم الذكاء العاطفي عند الطفل ينبغي أن يكون مواتيًا للعقل المنطقي ولا سيما في تعاملنا مع الأطفال.
وفي “منظومة القيم في القرآن الكريم” يكتب الدكتور “سعيد شبار” فيقول: “بناء على ما تقدم فإن القيم والمفاهيم في القرآن تبقى منظومة تشتغل وفق منطق ونظام خاص هو من سنن الله الدينية والشرعية، والأسرة وإن لم ترد لفظًا في القرآن، لكنها المرادة عمومًا في ألفاظ أخرى”.
وتكتب الدكتورة “ربيعة بنويس” عن “الإيمان طريق السعادة” فتقول، إن الإنسان بعد أن يعرف الله من خلال خلقه لا بد أن يقوم بعبادته والتقرب إليه، وإلا استحق العقاب كما يستحق المؤمن الجزاء. ولعل الهدف من الإيمان بالحشر والغيبيات عمومًا، هو تقويم الأخلاق والسلوك الدنيوي الذي يوصل في النتيجة إلى النعيم في الجنة.
أما الدكتور “محمد باباعمي” فإنه يكتب في مقاله “هل نحن في حاجة إلى إعادة تعريف الجامعة؟” مستعرضًا مفهوم “الجامعة” منذ القرون الوسطى وحتى هذا العصر، وإن هذه التعاريف لم تعد تتوافق مع مفهوم الجامعة في العصر الحديث، وكونها فضاءً حرًا للعلوم والمعارف تحتوي على جميع المصادر والوسائل التي تمكنها من البحث العلمي الجاد، وأن تكون متعدد التخصصات، لذلك يمكن أن تسهم في بناء المجتمع وتقدم الحضارة.
وعن “أسس الكيمياء الحديثة في الحضارة الإسلامية” يكتب الدكتور “خالد حربي” مستعرضًا نوابغ هذه الحضارة في موضوع الكيمياء إبتداءً من “جابر بن حيان” و”أبو بكر الرازي” و”أبو قاسم المجريطي” و”ابن سينا” وكيف أن هؤلاء العلماء المسلمين وأبحاثهم كانوا المصادر المتعددة في قيام علماء الكمياء في العصر الحديث اعتمادًا على تطوير علم الكمياء الحديثة.
أما “مقال جانب الطور الأيمن” لـلدكتور “عبد الإله بن مصباح” ففيه التفاتات قيمة لما جاء في القرآن الكريم من إشارات كونية، هي رؤوس أقلام مختصرة ومركزة حول بعض الحقائق العلمية، وأشياء مدهشة لا يمكن تجاهلها كما يقول “فتح الله كولن“. فهذا المقال يتحدث عما جاءت به الكشوف العلمية، ومن أن الجبال لها حركة كما قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾(النمل:88).
والأستاذ “أديب الدباغ” يكتب في مقاله “من أسرار الروح”، يتحدث عن عظمة الروح التي هي من أمر الله قائلاً: “وللروح أنفاس يفوح منها عبق حياة الأكوان وروائح الجنان.. وليس للروح حدود تقف عندها ولا سدود تصدها عن اختراق الحجب”، إلى أن يقول: “وإذا ما فاضت الروح وألقت بعلومها تحت أعيننا، فإننا نستطيع عند ذاك أن نفهم من أين تأتينا القوى الحيوية التي نصارع بها الزمن ولتغلب على ويله الوبيل”.
والدكتور ناصر أحمد سنه في مقاله “فوضى أم نظام محكم” يضع أيدينا على نبض الكون وعلى المنظومة التي تحكمه وتشد بعضه إلى بعض مفندًا ما شاع أخيرًا في الأوساط العلمية مما يسمى بـ”الفوضى الخلاقة” وأنه سيأتي اليوم الذي يكتشف فيه العلماء أن هذه الفوضى الخلاقة إنما هي جزء من منظومة كونية محكمة بنظام وقانون.
والدكتور “صهيب مصباح” يكتب عن الحوار الفاعل ودوره في توثيق عرى التواصل مبينًّا أسس الحوار في الإسلام انطلاقًا من ثوابته التي لا يمكن إغفالها، أو التنازل عنها، أو المساومة عليها.
ويكتب الدكتور “سليمان الدقور” عن منهجية التعامل مع الشائعات والاتهامات فيقول: “إن المسلم الصادق، المؤمن بربه، الواثق بقدره، يتجاوز مثل هذه المواقف برصيد المحبة والأخوة، ويؤكد الأستاذ “فتح الله كولن” موقفه في الخدمة مع إخوانه -على الرغم من كل الإساءات والاتهامات- على جملة من مفاهيم الإيمان، ومنها ضرورة التماسك والثبات على ذات القيم، لأنها قيم قرآنية ثابتة”.
والدكتور “محمد إقبال عروي” يتحدث عن الجمالية السليمانية فيقول: “يظهر في أن مضامين القرآن الكريم وتوجهاته، لفتت نظر هذا الإنسان إلى الجمال الذي يبدأ من أعماق داخله ويمتد إلى مختلف العناصر الطبيعية التي تحيط به في عالم النبات والجماد والحيوان وفي محيط الأرض وملكوت السماوات”.
والدكتورة “سعاد الناصر” حلقت بنا بمقالة أدبية رائعة موسومة بـ “روح الأندلس” حيث ذكرتنا بأمجاد أجدادنا فتحدتث عنها قائلة: “الأرواح تعد أن تظل في عنفوان التئامها تحذر الانزلاق جهة التشظي، ولا يرضى إلا بالإقبال على السموّ والصفاء”.
ولا يفوتنا أن نشير إلى القصيدة الجميلة التي أتحفنا بها “عبد الرحمن العشماوي”، والتي هي بعنوان “هو الإسلام”، ومطلعها:
من الإسلام ينبثق السلام ويبنى من مبادئه النظام
وتجدون المزيد من الأفكار والمواضيع داخل العدد.