من أرشد محمد
فيينا 2 يوليو تموز (رويترز) – أثناء سعي المسؤولين الغربيين
لتلجيم أنشطة إيران النووية ومنعها من محاولة اكتساب قدرات أخرى في
السر.. لا يزال عجزهم عن رصد برامج ذرية سرية في العراق وكوريا
الشمالية عالقا في الأذهان.
ويعد سد الثغرات في نظام منع الانتشار النووي الحالي هدفا
رئيسيا للولايات المتحدة وشركائها الخمسة الذين يتفاوضون مع إيران
أملا في التوصل لاتفاق يحد من برنامجها النووي مقابل تخفيف
العقوبات الاقتصادية عنها. ويوم الثلاثاء 30 يونيو حزيران انتهت
مهلة حددها الطرفان للتوصل لاتفاق نهائي وأمهلا نفسيهما وقتا حتى
السابع من يوليو تموز لإبرام صفقة.
ومن أصعب القضايا العالقة الخطى التي ينبغي أن يسير بها رفع
العقوبات وخطوات المراقبة التي تريدها القوى الكبرى لضمان عدم
مراوغة إيران لبنود أي اتفاق وكذلك كيفية التحقق من التزامها.
وفي إشارة إلى مدى أهمية مسألة التحقق هذه قالت الوكالة
الدولية للطاقة الذرية إن مديرها العام يوكيا أمانو سيتوجه إلى
طهران لبحث هذه المسألة إضافة إلى الأبعاد العسكرية المحتملة
للبرنامج الإيراني.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يريدون معالجة نقطة ضعف
رئيسية في نظام منع الانتشار النووي الدولي تتمثل في قدرة بلد ما
على إطالة أمد التفاوض مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية لدخول
المواقع المشتبه بها إلى أجل غير مسمى.
وما لم يكن هناك مجال للدخول في الوقت المناسب إلى أماكن تتضمن
مواقع عسكرية إذا اقتضت الضرورة -وهو ما قال الزعيم الإيراني
الأعلى إنه خط أحمر لن يتخطاه- ستزداد كثيرا صعوبة التيقن مما إن
كانت الدولة تخفي برنامجا نوويا أم لا.
وقد عبر ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق
عن ذلك في حديث مع رويترز حين قال “لا أرى كيف يمكن أن يفي أي
اتفاق بالمعايير المطلوبة … إن لم يكن يتضمن عمليات تفتيش
مفاجئة” لكل المواقع. وأضاف “لا أتصور كيف يكون هناك نظام يمكن
التحقق منه دون أن تكون هناك عمليات تفتيشات مفاجئة في أي وقت ولأي
مكان.”
وقال محللون آخرون إن من غير الواقعي أن يقبل بلد ما -إن لم
يكن مهزوما في حرب- بإعطاء المفتشين تفويضا يتيح لهم الذهاب لأي
مكان يشاؤونه بما في ذلك المواقع العسكرية.
وعبر المسؤولون الإيرانيون عن مخاوفهم من أن يجري استغلال
مفتشي الأمم المتحدة في جمع معلومات تفيد الولايات المتحدة
وحلفاءها كما حدث في العراق في أواخر التسعينات.
* نموذج العراق
تبرز تجربة العراق بعد حرب الخليج عام 1991 أوجه القصور الذي
كان يتخلل نظام منع الانتشار النووي في ذلك الحين.
فخلال تفتيش البلاد بعد أن أخرج تحالف تقوده الولايات المتحدة
القوات العراقية من الكويت عام 1991 اكتشف مفتشو الأسلحة الدوليون
أن العراق كان يعمل سرا في برنامج لتخصيب اليورانيوم لم يكن قد
أعلن عنه من قبل.
وسلط هذا الضوء على غياب اتفاقات ضمانات شاملة بموجب معاهدة
حظر الانتشار النووي المبرمة عام 1970 والتي تقصر نشاط التحقق
الدولي على المواقع النووية والمواد التي تعلنها الدولة.
وقال جورج بيركوفيتش خبير منع الانتشار النووي بمعهد كارنجي
للسلام الدولي “اكتشفنا بالمصادفة تقريبا خلال الحرب مع العراق أنه
كان لديهم برنامج تخصيب سري.”
ومما يلفت النظر أيضا سعي كوريا الشمالية لتنفيذ برنامج سري
لتخصيب اليورانيوم رغم أنها فرضت قيودا على برنامجها المعروف الخاص
بالبلوتونيوم. ويمكن استخدام البلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب
كمواد انشطارية وهي المواد الأساسية لصنع قنبلة ذرية.
ونتيجة للتجربة العراقية في الأساس حاولت القوى العالمية تشديد
نظام منع الانتشار النووي من خلال صياغة بروتوكول إضافي -وهو اتفاق
طوعي- عام 1997.
ووفقا لرابطة مراقبة الأسلحة -وهي جماعة لا تسعى للربح- وسع
البروتوكول الإضافي نطاق التحقق وزاد من قدرة الوكالة الدولية
للطاقة الذرية على تفتيش مواقع نووية سرية من خلال منحها تفويضا
بزيارة أي منشأة للتحقق مما تعلنه الدولة.
* “الغسيل المتسخ”
لكن كان لهذا ثغراته أيضا. فحين تدب خلافات بين الوكالة
الدولية للطاقة الذرية ودولة معينة فيما يتعلق بتفتيش مواقع
سيتفاوض الجانبان على كيفية إزالة بواعث قلق الوكالات المعنية وما
إن كان سيتم السماح “بتفتيش محكوم” وتحت أي شروط.
و”التفتيش المحكوم” آلية تسمح بأقل قدر ممكن من المتابعة
الضرورية من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يضمن عدم
انخراط الدولة في نشاط سري نووي لكنها تحد في الوقت ذاته من دخول
مفتشي الوكالة للمواقع حماية لأسرار الدولة العسكرية أو الصناعية
المشروعة.
لكن مثل هذه المفاوضات لا تتقيد بوقت محدد مما يتيح للدولة
المعنية أن تمد أجل المحادثات ربما للأبد إن هي أرادت.
قال مسؤول أمريكي كبير إن الطرفين “إذا لم يتمكنا من التوصل
لاتفاق فإن تلك المناقشات -تلك المفاوضات- يمكن أن تستمر بلا
نهاية.” وتابع قائلا “لقد أضفنا إجراء في هذا الاتفاق يضمن أن تصل
المناقشات لنقطة نهاية.” وامتنع عن التعليق على مدى قرب تطبيق ذلك.
وقال مسؤول من بلد يشارك في المحادثات “يريد الإيرانيون أن
يطمئنوا إلى أننا لن نتصرف كرعاة بقر ننظر تحت الأسرة.
“ومن غير المريح قطعا بالنسبة للإيرانيين أن ينشروا كل غسيلهم
المتسخ.. وهناك الكثير من الغسيل المتسخ.”
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية – تحرير أميرة فهمي)