من جورج جحا
بيروت 2 يوليو تموز (رويترز) – الكاتب والصحفي اليمني أحمد زين
في روايته (ستيمر بوينت) يطرح أسئلة مصيرية كثيرة منها ما تكلل
بنجاح وإمتاع .. إلا أن العمل اتسم بشكل عام بكثرة الأفكار وربما
ببعض “الغصات”.
موضوع الرواية أو موضوعاتها وجودية ومصيرية شاملة. فهي تتناول
الانتماء الحضاري والسياسي والسعي إلى الاستقلال والتخلص من الحكم
الأجنبي والتنقل بين أفكار العصر المختلفة والتي تتبنى بعضها جماعة
وطنية لتتمسك بنقيضها جماعة أخرى فيتحول الصراع على الاستقلال من
صراع مع الخارج إلى صراع داخلي بين الفئات المختلفة لمجتمع واحد أو
ما يفترض ان يكون مجتمعا واحدا.
وردت الرواية في 172 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار التنوير
للطباعة والنشر والتوزيع في تونس وبيروت والقاهرة.
وأحمد زين روائي وصحفي يمني يقيم في المملكة العربية السعودية
ويعمل في جريدة الحياة وله ما لا يقل عن أربعة أعمال روائية سابقة
هي (حرب تحت الجلد) و(أسلاك تصطخب) و(كمن يهش ظلا) و(قهوة
أميركية).
تنطلق الرواية من 28 نوفمبر تشرين الثاني سنة 1967 أي قبيل يوم
واحد من انتهاء الاستعمار البريطاني لعدن وتعود في أحداثها إلى
العقد الرابع من القرن العشرين وتتناول الغارات الجوية الإيطالية
على اليمن خلال الحرب العالمية الثانية وأنشطة بريطانيا العسكرية
في عدن.
اسم الرواية (ستيمر بوينت) هو الاسم الإنجليزي لمدينة التواهي.
الاسم الإنجليزي يعني نقطة التقاء البواخر في عدن التي كانت في ذلك
الوقت تعرف بأسماء وألقاب منها (جوهرة التاج البريطاني).
من أشخاص الرواية سمير وقاسم ونجيب. سمير ليس عدنيا أصلا لكنه
الآن عدني بالانتماء والاختيار إذ لم يعد يرى أن هناك مجالا للعيش
الرائع إلا في عدن التي يعتبرها عملا حضاريا إبداعيا متميزا
للبريطانيين ويشعر كأنه بريطاني في مشاعره وخياراته. ولسمير قصة حب
لم تسر كما يجب. وهو يعمل في ثلاثة أماكن فهو مدرس في مدرسة ويقوم
بتعليم آيريس الباحثة الإنجليزية المنحازة إلى العرب اللغة
العربية كما يسهر على عجوز فرنسي ذي ثروة وشأن كبيرين في عالم
المال والأعمال ويهتم به في قصره المنيف.
عند اقتراب موعد جلاء الإنجليز عن عدن يصاب العجوز الفرنسي
بخوف لأن “الفدائيين” سيأتون للانتقام منه. وسمير يشاركه هذا الخوف
لأنه بخياراته جعل الفدائيين يعتبرونه انجليزيا. اختفي الفرنسي
ليلة الجلاء فلم يعرف سمير ما إذا كان هذا العجوز المتعلق بعدن
ويرفض الرحيل عنها قد خطف أم أنه قرر في النهاية السفر في إحدى
طائراته أو بواخره.
أما قاسم فهو ينغمس عمليا في الحياة العدنية ويملك (مقهاية) في
المدينة ويعمل شبه قواد لضابط انجليزي كبير إذ يحضر له فتاة من
بنات الهوى تلازمه ويتولى قاسم الاهتمام بها لكنه لا يلبث أن يقع
في غرامها إلا أنها تختفي مع رحيل الضابط الإنجليزي فيمضى سنواته
يبحث عنها دون جدوى.
أما عن نجيب فإنه نقيض كل فكر ليبرالي فهو مزيج من الماركسية
والقومية والحقد الطبقي ولذا فهو على خصومة شرسة مع سمير الذي
يدافع عن الإنجليز وحضارتهم مع أن الاثنين من أفراد مجموعة واحدة
من الأصدقاء. كما أن الفتاة التي أحبها سمير بدا أنها في النهاية
اختارت الانحياز إلى نجيب غريمه في الحب والفكر السياسي.
في الحديث عن سمير وبلسانه يقول الكاتب “شخص آخر تتحول فور أن
تكون داخل هذه الأبهة الكولونيالية وتوخيا للدقة حتى قبل أن تدلف
من البوابة الشاهقة والمقوسة تشعر بك تتخلص تدريجيا من الشخص الذي
تكونه في منزل جدتك حيث تلف وسطك بفوطة وتأكل الحلوى الشعبية …
أو في الأزقة الضيقة لحارات كريتر القديمة ودكاكينها البسيطة
المعتمة قليلا. الشخص الذي تكونه هنا هو الشخص الذي تحس به يخفق
بين ضلوعك في منزل آيريس الإنجليزية التي تعادي قومها وترى فيك
شخصا غريب الأطوار.” وكريتر هو ذلك القسم من المدينة الذي نقل لفظه
الإنجليزي (كريتر) الذي يعني فوهة البركان.
يقول الناشر عن الرواية “تنسج هذه الرواية التي تنهض على
مستويين مواقف مركبة ومربكة: مستعمر (بفتح الميم الأخيرة) يجد نفسه
مشدودا إلى المستعمر ومستعمر (بكسر الميم الأخيرة في الكلمتين)
يتمرد على تقاليد رسختها إمبراطوريته خلال عقود من الزمن. نص يجمع
بين أنا وآخر في متحول يمس سياقه ذاتا بهوية حينا وبلا هوية أحيانا
كثيرة ومدينة لم يعرف أحد من سكانها متعددي الأعراق والثقافات
والديانات لمن هي على وجه التحديد.”
قد لا يستطيع القارىء التخلص من انطباع بأن أحمد زين في كتابة
هذه الرواية كان متأثرا إلى حد بعيد برواية سابقة مشابهة وناجحة هي
(بخور عدني) للكاتب اليمني علي المقري.
ولا بد من العودة إلى “الغصات” التي يبدو للقارىء أن الرواية
أصيبت بها. من هذه الغصات عدم الوضوح في الانتقال في الحديث عن
شخصية إلى شخصية أخرى مما يخلق التباسا وصعوبة في الفهم كما أن
هناك عدم وضوح في عرض الأفكار. ومن الغصات أو “الهفوات” عدم التأكد
من صحة الأسماء التي ترد في النص.
ففي حديث زين عن الحياة الفنية في عدن يتكلم عن حضور للمغني
الراحل فريد الأطرش ويقول إنه كان يغني على رقصات (ناديا جمال) في
حين أن المعروف أن رفيقته في أفلامه كانت سامية جمال. هفوة أخرى
تتمثل في الحديث عن شركة (لومال لوك) للسفر والشحن البحري وتحويل
الأموال بينما الاسم الصحيح للشركة الشهيرة عالميا هو (توماس كوك).
ومن الغصات أيضا الأخطاء اللغوية المتكررة.
(إعداد جورج جحا للنشرة العربية – تحرير أمل أبو السعود)