من كريستينا تان وألكسندر فاسوفيتش
الحدود الصربية المجرية أول يوليو تموز (رويترز) – تفترش
فتاتان من سوريا إحداهما في السادسة والأخرى في الثامنة الأرض في
بستان خوخ وكرز بشمال صربيا انتظارا لبدء المرحلة التالية من رحلة
طويلة.
في غضون ساعات ستنطلق الفتاتان اللتان غطت لدغات البعوض
جسديهما بعد قضاء ليال في العراء مع مجموعة مهاجرين آخرين في
محاولة للتسلل إلى المجر.
فإن نجحت المحاولة سيكونون في الاتحاد الأوروبي حيث يمكن أن
يحصلوا على حق اللجوء أو ستتاح لهم على الأقل فرصة الاندماج داخل
الفضاء الفسيح الخالي من الحدود وعيش حياة جديدة.
قالت لارا وهي شابة عمرها 22 عاما قدمت من ضواحي العاصمة
السورية دمشق والتي كانت في نفس المجموعة مع الفتاتين الصغيرتين
“لابد أن أذهب لألمانيا.”
أولئك الذين حلوا على البستان مجرد مجموعة بين حوالي 70 ألف
مهاجر تسللوا عبر الحدود الصربية المجرية هذا العام حتى الآن.
أحال هذا التدفق المروج الخضراء على الحدود والسهول المحيطة
بنهر تيسا لخط جبهة جديد في صراع الاتحاد الأوروبي للتعامل مع
مشكلة الهجرة غير الشرعية.
وأصدر رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان تعليمات بإقامة سياج
ارتفاعه أربعة أمتار لمنع المتسللين من الدخول.
وعلى النقيض من موجة المهاجرين التي تعبر البحر المتوسط في سفن
متهالكة لا يقف الموت بالمرصاد لتلك الفئة لذا لا يسلط عليها نفس
القدر من الضوء. لكن هذه البقعة تخطت إيطاليا هذا العام كأكبر نقطة
تسلل إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال ديمتريس أفراموبولوس مفوض الهجرة الأوروبي في العاصمة
المجرية أمس الثلاثاء “كنا نتحدث حتى الآن عن إيطاليا واليونان.
ونحن اليوم نضيف المجر.”
* تخييم مؤقت
أحال المهاجرون هذه البقعة الريفية الهادئة إلى ممر سري مزدحم.
وبين النباتات الطويلة القريبة من الحدود تمتزج زقزقة العصافير
بأصوات البشر المنهكة.
وبين الأشجار الكثيفة المتشابكة تظهر مخيمات مؤقتة يأخذ الناس
فيها قسطا من الراحة قبل أن يواصلوا رحلتهم.
حشمت (18 عاما) غادر أفغانستان منذ ثلاثة أشهر. وهو يعيش
بالبساتين القريبة من بلدة سوبوتيشكا الصربية منذ ستة أيام ويعتزم
الآن عبور الحدود إلى المجر.
وبانجليزية ركيكة قال حشمت الذي كان يرتدي سترة رمادية وقميصا
أزرق “بلدنا صارت حطاما … أنا ذاهب لألمانيا.”
وفي مواقع التخييم المؤقت التي تركها أناس حلوا بها تتناثر خرق
القماش المهملة والقمصان الممزقة والعبوات البلاستيكية الفارغة
والحفاضات المتسخة.
وهذه البقعة قريبة من نهاية طريق شاق طويل يقطعه المهاجرون
الذين يتوجه كثيرون منهم إلى تركيا أولا ثم يشرعون في رحلة بحرية
محفوفة بالمخاطر إلى اليونان.
وحين تطأ أقدامهم تراب اليونان يكونون قد أصبحوا داخل الاتحاد
الأوروبي لكن أغلبهم يفضل شمال القارة الغني والنزول بدول مثل
ألمانيا والسويد لذا يهمون بالرحيل مرة أخرى سالكين أقصر الطرق
الممكنة.
هم يقطعون رحلة برية -يتعين في جزء منها السير على الأقدام- من
اليونان إلى مقدونيا ثم إلى الطرف الشمالي لصربيا في محاولة عبور
الحدود.
تتناثر على الأرض آثار تبين المسار الذي قطعه المهاجرون للوصول
إلى هذه البقعة.. وثائق باليونانية والمقدونية وشهادات صربية
متناثرة قرب جمرات نيران خبت.
وكتب على إحدى الوثائق “هذه شهادة بأن حامل هذه الوثيقة طالب
لجوء يجب أن يمثل أمام مركز اللجوء … في غضون 72 ساعة.”
ويخشى المهاجرون أن تعيدهم السلطات أدراجهم إن ضبطتهم داخل
الاتحاد الأوروبي بوثائق تثبت أنهم مسجلون بالفعل كطالبي لجوء في
مكان آخر.
* فرار من صراع
عندما يسدل الليل أستاره وتنحسر احتمالات الوقوع في يد الشرطة
أو حرس الحدود يتأهب المهاجرون لمواصلة رحلتهم عبر الحدود.
وفي قرية كانيجا المقابلة لنهر تيسا يتجمع سوريون في الميدان
الرئيسي.
أحمد مصطفى (30 عاما) كردي قادم من مدينة عين العرب (كوباني)
السورية التي يحاصرها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية.
غادر سوريا بعد مقتل أخويه. أخرج هاتفه المحمول ليعرض صور جثث
أطفال. وقال إنه يريد بلوغ هولندا.
أما داني (25 عاما) القادم من دمشق فيقول إنه قطع حوالي 500
كيلومتر سيرا على الأقدام من تركيا إلى حدود المجر وإنه يأمل أن
يجد عملا كمهندس طيران بألمانيا.
قال إن قطع هذه المسافات الطويلة سيرا لا يمثل مشكلة له أو
لأصدقائه “لكن في مقدونيا … سار أطفال معنا.”
* داخل الاتحاد الأوروبي
طلع الفجر وبدأت مجموعات المهاجرين التي بدأت الليل وهي على
الجانب الصربي في الظهور على أراضي المجر.
وقبل السابعة صباحا بقليل تبدأ مجموعة من حوالي 30 رجلا وامرأة
من أفغانستان بعضهم يحمل أطفالا رضع في المرور عبر الأحراج وعبور
خندق.
وبعد السير قرابة أربع ساعات تطأ أقدامهم أخيرا المجر والاتحاد
الأوروبي وسرعان ما يختفون في وضح النهار وسط الأحراج على طريق
قذر.
وعند قطاع آخر من الحدود تسير الفتاتان السوريتان الصغيرتان
برفقة اثنين من المهاجرين فوق سد يعتلي نهر تيسا.
توقفهم عناصر من الشرطة. يجلسون على الأرض منهكين وحولهم أكياس
بلاستيكية كانوا يحملونها. تناولهم الشرطة عبوات مياه. تخرج الفتاة
صاحبة الأعوام الستة عبوة وردية صغيرة وتغمس داخلها عصا بلاستيكية
وتنفخ فيها فتتطاير فقاعات.
بعد برهة تصل سيارة شرطة عند السد. يقترب ضابط من المجموعة
ويحدثهم بلطف بالإنجليزية “أهلا. قفوا.”
تلوح الفتاتان وتردان “أهلا”. تقفان وتدخلان السيارة. صاحبة
الأعوام الستة تقضم الآن ثمرة خوخ بينما تتدلى عبوة الفقاعات بخيط
حول عنقها.
تتجه السيارة صوب مخيم مهاجرين قريب حيث ستسجل أسماؤهم ثم يسمح
لهم بالمغادرة. حينها تكون مرحلة أخرى من رحلتهم قد انتهت: هم في
المجر.. داخل الاتحاد الأوروبي.”
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية – تحرير دينا عادل)