بولنت كوروجو
طغت النقاشات التي تدور حول القصر الرئاسي المسمى بالقصر الأبيض حتى على أخبار المفاوضات الجارية حول تشكيل الحكومة التركية الجديدة وانتخاب رئيس جديد للبرلمان. وسبب هذه الفرقعة الجديدة هو كبر حجم طاولة مأدبة الإفطار التي أقيمت في قصر الرئيس رجب طيب أردوغان. طاولة مستديرة تتسع لـ30 شخصاً أصبحت سبباً لسرد نكات وتعليقات ساخرة من قبيل: كيف يمكن إعطاء المملحة لمن يجلس في الطرف المقابل من الطاولة؟! وكيف وضع الورد في وسطها؟ وما إلى ذلك من الأسئلة الأخرى في صورة نكات. وحين تحول المزاح إلى حقيقة وجرى الحديث حول تكلفتها حدث شيء غير معتاد؛ حيث أطلق أردوغان ومصادر القصر تصريحات شديدة اللهجة بأن تكلفة الطاولة ليست كما يقال. وهذا الموقف الجديد لأردوغان باعث للأمل بخصوص الشفافية لكنه وحده لا يكفي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن سبب اعتباري تغيُّرَ موقف أردوغان من الادعاءات الواردة حول قصره أمراً مفرحاً هو أملي في أن يكون ذلك خطوة نحو الشفافية. لقد امتلأت هذه المرحلة بأخطاء فادحة جدا؛ حيث كانت إدارة الإسكان الجماعي( توكي) قد أدلت بتصريحات مثيرة ومبهمة حول تلك التكاليف قائلة: “لو أعلنّا تكاليف القصر لألحق ذلك ضرراً باقتصاد الوطن”.[/box][/one_third]وقد وردت مزاعم بأن رخام القصر جُلب من الهند وجواتيمالا بأسعار خيالية. وطرحت المعارضة سؤالا برلمانيا ليجيب عنه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. ففواتير التدفئة التي كلفها القصر تكفي لقضاء مدينة “بايبورت” الباردة، شتاءً دافئًا كما ذُكر ذلك في نقاشات المقاهي. إلا أنه ما من مجيب على هذه الادعاءات! لكن غرفة المعماريين في أنقرة تسعى لتقدير تكلفة ورق الحائط والزجاج المستورد وحدائق القصر وتكلفة الكهرباء ومصاريف موظفي القصر الضخم، عن طريق القياس والمقارنة بطبيعة الحال، ثم تزويد الرأي العام بهذه المعلومات. وهناك ادعاءات بوجود قطع أثرية من العصور السحيقة! ولكن التصريحات النافية لا تأتي من القصر إلا إذا كانت التكلفة أقلّ مما يدعى. وتجنّب القصر الرد على تصريحات وادعاءات غرفة المهندسين يقود الشعب إلى الاعتقاد بصحتها، لأن “السكوت هو علامة الرضا”، كما يقال في المثل التركي. وإذا نظرنا إلى الموضوع من هذه الزاوية، فإن تكذيب القصر ما قيل عن تكلفة طاولة الإفطار قد يؤدي إلى نتائج عكسية لا يريدها القصر. إذ بدأ يتشكّل في الشارع انطباع أو قناعة مفادها: “لو كان بإمكان أردوغان نفي الادعاءات الواردة حول تكاليف القصر لفعل ذلك دون أي تردد مثلما فعل بشأن مأدبة الإفطار الأخيرة”. وليس هناك أي طريقة لإزالة هذا الانطباع وهذه القناعة سوى الشفافية.
إن سبب اعتباري تغيُّرَ موقف أردوغان من الادعاءات الواردة حول قصره أمراً مفرحاً هو أملي في أن يكون ذلك خطوة نحو الشفافية. لقد امتلأت هذه المرحلة بأخطاء فادحة جدا؛ حيث كانت إدارة الإسكان الجماعي( توكي) قد أدلت بتصريحات مثيرة ومبهمة حول تلك التكاليف قائلة: “لو أعلنّا تكاليف القصر لألحق ذلك ضرراً باقتصاد الوطن”. ومن جانب آخر، تم تعطيل البرلمان في هذا الشأن، مع أن من مهامه أن يراقب كل كبيرة وصغيرة في أموال الدولة. كما تم تكميم أفواه مَنْ تطرقوا لهذا الموضوع واتهامُهم بالخيانة. مع أن التعتيم هو الذي يزيد حجم الشبهات. إذ إن مزاعم الإسراف في القصر يتفاقم حجمها كلما تداولت على ألسنة الناس مثل كرة ثلجية منحدرة من أعلى الجبل إلى أسفله. ومادمنا بصدد الحديث عن مأدبة الإفطار فهلاّ صرّح القائمون على القصر بتكلفته الحقيقية لنتبيَّن ما إذا كانت هناك حاجة لكل هذا التبذير والإسراف.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تم تعطيل البرلمان في هذا الشأن (تكاليف قصر أردوغان)، مع أن من مهامه أن يراقب كل كبيرة وصغيرة في أموال الدولة. كما تم تكميم أفواه مَنْ تطرقوا لهذا الموضوع واتهامُهم بالخيانة. مع أن التعتيم هو الذي يزيد حجم الشبهات. إذ إن مزاعم الإسراف في القصر يتفاقم حجمها كلما تداولت على ألسنة الناس مثل كرة ثلجية منحدرة من أعلى الجبل إلى أسفله.[/box][/one_third]أقولها لكم بصراحة لا يقتنع أحد بشعار: “لا تفريط أو تنازل في الحفاظ على هيبة الدولة”. وأسطورة شيوخ العدالة والتنمية التي تدعي أنه: “ستُمنح كل دولة إسلامية غرفةً في القصر، ليكون القصر مركز الإسلام!” غير مقنعة. إذن لنفترض جدلا أن 100 غرفة خصصت للدول الإسلامية، و50 غرفة خصصت لنا، فلمن ستكون الغرف الألف الباقية؟! فليس هناك سبب يفسّر كون هذا القصر أكبر بست مرات من البيت الأبيض الذي يسكنه رئيس أمريكا وهي أكبر من دولتنا بعشرين مرة .
وقال شرف أفا، وهو رئيس تدقيق ديوان المحاسبة ومستشار سابق لعلي باباجان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وتخرج في مدارس الأئمة والخطباء: “لو أردنا أن نبحث عن مقياس في القرآن لوجدنا أن هذا القصر يتصف ببعض الصفات التي لا ترضي الله تعالى مثل الكبر والغرور والإسراف. ولو نظرنا إلى السنة وتطبيقات الخلفاء الراشدين الأربعة لخجلنا من أنفسنا كثيراً. فحالنا ليست كحال القادة المسلمين الذين يجب أن نقتدي بهم بل هي كحال الملوك المتغطرسين الذين حاربهم هؤلاء القادة المسلمون. إن بناء القصر من أموال الدولة أمر مخالف للقوانين. فالأموال المجموعة من ضرائب المسلمين أو أموال الزكاة لا يمكن صرفها إلا في سبيل احتياجاتهم أو الدفاع عنهم. دعوا بناء قصر من هذه الأموال فإنه لا يمكن حتى إنشاء جامع بهذه الأموال”.
“قبل كل شيء، كان يجب توضيح أنشطة هذا البرنامج الاستثماري في الميزانية العامة بشكل مفصل مع تحليلات تفصيلية حتى يمكن صرف أموال الشعب في هذا المشروع. إلا أننا لا نعلم تكلفة هذه البناية بل حتى عدد الغرف فيها، على الرغم من الانتهاء من بنائها. إن هذا القصر باعتباره استثماراً بمثابة كارثة حلت على شعبنا. وذلك لسبب بسيط وهو أن الموظف الذي يعلم بأن تكلفة القصر تبلغ مليارات الدولار سينتظر الحصول على نصيبه من أموال الدولة أيضاً وستزول العوامل التي تدفعه إلى الحذر والاقتصاد في استخدام أموال الدولة. فالأموال التي تصرفها الدولة هي أموال مأخوذة من جيوب المواطنين. ولذلك يؤدي هذا الإسراف إلى فقر الشعب”.