بيروت 29 يونيو حزيران (رويترز) – بعد مرور أربع سنوات على بدء
الحرب التي أودت بحياة أكثر من 220 ألف شخص لم يعد بوسع الرئيس
السوري بشار الأسد الدفاع عن البلاد بكاملها أو أن يأمل في استعادة
الأراضي التي فقدها. وتتقهقر قواته وتعزز معاقلها الرئيسية بدءا من
العاصمة دمشق إلى الشريط الساحلي في شمال غرب سوريا.
في الوقت نفسه فإن التكتلات الرئيسية لمقاتلي المعارضة من
تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الى تحالف منافس من الإسلاميين في
الشمال الغربي والمقاتلين القوميين في الجنوب والأكراد في الشمال
تصنع لنفسها مناطق نفوذ فيما يبدو أنه تقسيم لسوريا بحكم الأمر
الواقع.
وفي حين أنه لا يمكن الجزم بالكثير في ظل حالة الفوضى متعددة
الجوانب التي سببتها الحرب الأهلية السورية فإن الكثير من الخبراء
الذين يراقبون الصراع لا يراودهم شك في أن تفاصيل المشهد الملطخة
بالدماء تعيد ترتيب نفسها من جديد لتصنع حلبات منافسة يحكمها قادة
فصائل.
يقول رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان الذي
توفر اتصالاته بشبكة من المقيمين داخل سوريا تقارير دقيقة الى حد
بعيد عن الوضع المضطرب الذي لا يتاح للمسؤولين والصحفيين الأجانب
الاطلاع على الكثير من تطوراته “سوريا في مرحلة تقسيم غير معلن.”
وأضاف عبد الرحمن المقيم في لندن لرويترز “هناك نقاط اشتباك
كثيرة. النظام الآن يحاول أن يخفف انتشاره في مناطق الاشتباكات
الكثيرة حتى يركز قوته بمناطق محدودة لها أهمية استراتيجية.”
وأضاف أن السلطات تحاول تحصين المنطقة الساحلية من خلال تشكيل
“لواء درع الساحل” ومهمته الدفاع عن القرى ذات الأغلبية العلوية.
وقال عبد الرحمن “لواء درع الساحل يشكل الآن. هم يطوعون الناس
الآن. بينهم ضباط من الجيش السوري يدربون وضباط إيرانيون وحزب
الله.”
تقسيم بحكم الأمر الواقع
منذ مارس آذار فقد الأسد المزيد من الأراضي وينسحب الجيش
السوري الذي انكمش حجمه والقوات المتحالفة معه الى خطوط يعتبر
الدفاع عنها أسهل بعد أن دعمته في الأشهر الأخيرة قوات إيرانية
وحلفاء مثل حزب الله اللبناني.
ظهرت أول بوادر على تغير شكل هذه الحرب الضروس مع سقوط مدينة
إدلب في شمال غرب البلاد في مارس آذار لتسقط بعدها بقليل جسر
الشغور البلدة ذات الأهمية الاستراتيجية التي تفتح الطريق الى
اللاذقية والساحل معقل الأقلية العلوية التي تنتمي لها عائلة
الأسد.
حقق هذان الانتصاران جيش الفتح وهو تحالف تشكل في الآونة
الأخيرة بين جبهة النصرة جناح القاعدة في سوريا وجماعة أحرار الشام
وهي جماعة سلفية مسلحة الى جانب جماعات أخرى تستخدم ترسانة تضم
مدافع حديثة مضادة للدبابات يقول دبلوماسيون إنها دخلت عن طريق
تركيا.
ويدير جيش الفتح عملياته من مركز جديد للقيادة والسيطرة في
إدلب وهو يتقدم نحو الجانب الغربي من مدينة حلب في شمال سوريا
الخاضع لسيطرة الجيش الحكومي السوري. ودمرت نيران المدفعية وقصف
القوات الحكومية معظم مدينة حلب العاصمة التجارية الشهيرة لسوريا.
وتقدمت قوات تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن قيام خلافة في
الأراضي الخاضعة لسيطرته في سوريا والعراق قبل عام من الرقة معقله
ولم يبد أن القوات الجوية السورية أو التحالف الذي تقوده الولايات
المتحدة ويشن ضربات جوية ضد متشددي التنظيم في البلدين لديه القدرة
على وقف تقدمه.
وانتزع تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على معقله في شرق سوريا
-الذي تقدم منه الى العراق في يونيو حزيران الماضي- من أيدي جماعات
أخرى لكنه في الشهر الماضي استولى على تدمر في وسط سوريا التي
تشتهر بآثارها الرومانية بينما انسحبت قوات الرئيس السوري جهة
الغرب.
وفي الجنوب وبعد هجوم فاشل قاده الحرس الثوري الإيراني وحزب
الله لاستئصال شأفة مقاتلي المعارضة الذين يهددون الطريق الى دمشق
ربما تكون مدينة درعا مهد الانتفاضة على حكم الأسد التي اندلعت عام
2011 على وشك السقوط في أيدي مقاتلي الجبهة الجنوبية الذين لا
ينتمون للتيار الجهادي ويدير نشاطهم مسؤولون أمريكيون وغربيون في
غرف عمليات في الأردن.
في الشمال الشرقي استطاع المقاتلون الأكراد السوريون السيطرة
على مساحة من الأرض تمتد لمسافة طويلة انتزعوها من أيدي تنظيم
الدولة الإسلامية قرب الحدود التركية فسيطروا على كوباني أولا ثم
تل أبيض هذا الشهر ليقطعوا خطوط الإمداد من تركيا الى الرقة
العاصمة الفعلية للتنظيم.
لا وجود لسوريا القديمة
يقول فواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد
إن “سوريا القديمة… الدولة القومية والدولة نفسها لم يعد لها
وجود. ما لدينا الآن هو اقتتال وعشائر متنافسة وكيانات غير تابعة
للدولة وقادة فصائل.”
وأضاف جرجس الخبير في الشأن السوري “سيكون من الصعب للغاية
إعادة سوريا لتكون دولة واحدة. انفصمت عرى النسيج الاجتماعي
والصلات القوية التي تحافظ على تماسكه.”
وقال “حكم الأسد قضية تتصل بطريقة أو أخرى بالهوية. نعم هناك
الكثير من السنة والمسيحيين الذين يعيشون هناك لكنهم يعتبرون
أنفسهم جزءا من هذه الهوية… السنة والمسيحيون من الطبقة المتوسطة
والعليا.”
وبدأت حكومة الأسد الآن والتي ترزح تحت ضغط من حليفتيها
الرئيسيتين ايران وروسيا في تقبل نقطة ضعفها الأساسية. إنه حكم
أقلية تعاني نقصا شديدا متفاقما في الأعداد وتحارب متشددين
ومقاتلين معارضين من السنة في مناطق ذات أغلبية سنية.
يقول عبد الرحمن من المرصد السوري “الخسائر التي خسرها في ادلب
كانت صدمة للنظام. أصبحت هناك اتهامات داخل النظام بأن هناك قائدا
في القوات النظامية لم يقاتل عمليا.”
وأضاف “اما بالنسبة لبالميرا (تدمر) لم يكن لديه إمكانية
للدفاع عنها لأن كل جندي يخسره ليس لديه إمكانية أن يعوضه بسهولة.
النظام خسر في بالميرا 300 فرد.”
وتقول الحكومة السورية وحزب الله إن الانتكاسات الأخيرة جزء من
حركة المد والجزر الطبيعية في صراع فقدا خلاله واستعادا أراضي فيما
سبق.
ومازالت القوات الجوية السورية تتيح للجيش التفوق على أعدائه.
وبعد فقد إدلب يبدو أن الجيش يقاتل بشراسة للحفاظ على موطئ قدمه في
مدن منها درعا وهي محور هجوم جديد لمقاتلي المعارضة والحسكة حيث شن
تنظيم الدولة الإسلامية هجوما على القوات الحكومية.
ويقول عبد الرحمن ودبلوماسيون يتابعون الصراع إنه منذ منتصف
مايو ايار وصلت تعزيزات إيرانية قوامها بالآلاف الى المنطقة
الساحلية بشمال غرب البلاد والى محيط دمشق.
وقال عبد الرحمن “انتهى هذا الموضوع. من الآن فصاعدا الأقلية
لن تستطيع أن تحكم الأكثرية. هذا الموضوع محسوم. بشار غير مقتنع
بهذا لكن العلويين مقتنعون لأنهم هم تعرضوا لأكبر نسبة خسارة.
العلويون الذين قتلوا من الجيش ومن الدفاع الوطني واللجان الشعبية
هم اكثر من 80 الفا وهؤلاء موثقون لكن العدد الحقيقي اكثر من 120
الفا.”
حرب طويلة؟
يقول المعلق البارز سركيس نعوم إن هناك قناعة بين روسيا وايران
وحزب الله أن الأسد خسر الحرب وأن احتمال استعادته السيطرة على
سوريا بالكامل لم يعد ممكنا.
وقال لرويترز “سوف نرى تحت الخطة البديلة ما يمكن أن يحتفظ به
الأسد من مناطق.”
وأضاف “الشام (دمشق) مستحيل أن تبقى معه وحلب مستحيل أن تبقى
معه وأعتقد أن حماة لن تبقى معه. سوف يكون عنده المنطقة الساحلية
ومعها حمص.”
لكن محللين يرون أن مسألة الى أي مدى ستقسم سوريا وماذا سيكون
مصيرها في نهاية المطاف يمكن أن تتوقف على المنافسة الإقليمية بين
ايران القوة الشيعية والسعودية القوة السنية. وهو ما قد يعني أن
الحرب قد تستمر لسنوات.
في الوقت الحالي يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية وهو الأكثر
تشددا على شرق سوريا ومعظم غرب العراق ويحث أتباعه على شن هجمات
على غرار تلك التي وقعت يوم الجمعة في فرنسا والكويت وتونس.
في الوقت نفسه فإن إيران تحاول ترسيخ وضعها في معقل آخر على
الساحل السوري المطل على البحر المتوسط الى جانب معقلها في لبنان
المتمثل في حزب الله.
لكن عبد الرحمن يحذر من أن الجبهات الجديدة في سوريا ما زالت
تمثل تهديدا فالأقليات على وجه الخصوص تحت رحمة المتشددين.
وقال “حتى لو انهار النظام في سوريا لن يكون هناك حل قبل 10
سنوات.”
وأضاف “هناك عشرات الآلاف من المسلحين العلويين لن يسلموا
سلاحهم لأنهم سوف يتعرضون للذبح. هناك اكثر من 50 الف جهادي دخلوا
سوريا. من الذي يستطيع أن يخرجهم؟”
(إعداد دينا عادل للنشرة العربية- تحرير سيف الدين حمدان)