بقلم: يافوز آجار
قبل عهود سحيقة، كانت هناك غابةٌ جميلةٌ وراءَ جبل “قاف”.
كانت الحيوانات كلها تعيش بهذه الغابة في أخوة وصداقة وتنعم بالسعادة والطمأنينة.
والثعلبُ الذي نعرفه بحيلته ومكره كان “يحسد” هذه السعادة، حتى سيطرت عليه فكرة:
«ماذا يجب عليّ أن أفعلَ لأدمِّر هذه السعادةَ؟!»
وفي يوم من الأيام، خطرت على بال الثعلب فكرة. فكّر أنه بمقدوره أن يلقي العداوة والبغضاء بين الحيوانات، عبر نشر شائعات كاذبة فيما بينهنّ. وقد بدأ يعمل سراًّ لتحقيق هذا الهدف المشؤوم.
ومضى على ذلك أسابيع عدة وأخذت الحيوانات تحسد بعضها بعضاً فعلاً.
كان الثعلب يقول لكل حيوانٍ يزوره أو يلتقيه:
– أنت أفضل وأنجحُ حيوانٍ في الغابة! أما الآخرون فيحسدونك!
وهكذا زار الثعلبُ كلّ حيوان في الغابة واحداً واحداً، وصارت جميعُ الحيوانات تضمر عداء وبغضاً لأخيه الآخر وتظهرهما أحياناً في شتى العلاقات والمناسبات.
ولم يمضِ وقت طويل حتى اطلع الأسد، ملك الغابة، على حقيقة ما يجري، فشرع يبحث عن حل لهذه القضية. فبذل جهوداً ذهنية جبارة ليجد طرائق ووسائل للعيش في جوّ من الأخوة والصداقة والسلام، كما كان في السابق، حتى استقرّ رأيه على تنفيذ خطةٍ. إذ قال في نفسه:
«الأحسنُ أن نجري امتحاناً بين الحيوانات. وبهذه الطريقة نختار أحسنَ وأنجحَ حيوانٍ في الغابة!».
ثم أعلن قرارَه هذا للحيوانات.
وبعدها، نهض الجميع يستعدون للمسابقة. أما الثعلبُ فكان يضحك بخبث ويقول في نفسه:
«ها ها ها! كيف نجحتُ في بَثِّ العداوة والبغضاء بين حيوانات الغابة» مفتخراً بعقله وذكائه.
بعد استشارة الحيوانات، حدّد الأسد يوم الامتحانِ في الغابة الجميلة، ثم أنهى الجميعُ ترتيباتِهِ الأخيرةَ. وحان موعدُ الامتحان.
وقد جرى الامتحانُ الأولُ في مجال السباحة، فنجح فيه السمكُ بالدرجة الأولى؛ بينما الأرنبُ كاد أن يغرِقَ ويموتَ، لولا أنقذوه بصعوبةٍ.
أما الامتحانُ الثاني، فأقيم في مجال الطيران، فحصل الطيرُ فيه على العلامة العليا. لكنّ الأفعى سقطت من عَلٍ وسبّبت ألماً في ظهرها حين حاولت الطيران. وهي أيضاً كادت تموت.
وأما الامتحانُ الثالث فأجري في مجال سباق العَدْوِ والجَرْيِ، فسبق النَّمِرُ جميعَ الحيواناتِ، إذ جاء بالمرتبة الأولى، في حين أن الطير جرح رجلَه.
استمرَّ الامتحانُ أياماً طويلة على هذا المنوال، فحُصِّلَتِ الدرجاتُ الأولى والعلامات العليا في مجالات مختلفة. ولكن لَمْ يَفُزْ أَيُّ حيوانٍ بالدرجة الأولى في جميع المجالات، فتَشَوَّشَتْ أذهانُ الحيواناتِ أمامَ هذه النتيجةِ واحتارت في أمرها. لذلك قام ملك الغابة، الأسد، بترتيب حفلة لإعلان نتائج الامتحان، حيث كان سَيُعْلِنُ مَن جاء بالدرجة الأولى في ختامها.
وقد بدأت جميع الحيوانات تنتظر– وعلى رأسها الثعلب – النتائج بفارغ الصبر.
واجتمعت الحيوانات بالغابة في الميدان الذي ستقام فيه الحفلة، وقد أُحْضِرَتْ من جميع أنواع الأطعمة الشهية، والأكلات اللذيذة، والفواكه الجميلة المجلوبة من الغابة، ووضعت أمام الحضور.
هذه الحفلة كانت جائزة للحيوانات كافة.
جلست الحيواناتُ في أماكنها المخصصة لها بعد الأكل والترفيه، وبدأت تنتظر خطابَ الأسد. وبعد برهة، صعد الملك، الأسد، مكاناً عاليا، وألقى نظرات على جميع الحيوانات بفخر وأبهة، ثم أخذ يلقي خطابه:
– أيها الأصدقاء! أهلاً وسهلاً إلى حفلات الغابة الجميلة وأيام الطرب!
صفَّقت جميع الحيوانات للأسد.
ثم تابع الأسد حديثه كما يلي:
– لقد عُرفت وذُكرت هذه الغابة التي نعيش فيها منذ سنوات بأنها غابة أمن وسعادة وأخوة. وسعى كل فرد من هذه العائلة الكبيرة لمساعدة أخيه الآخر ومساندته. وأتمنى أن نواصل العيش هكذا بعد ذلك أيضاً. لكن أُزْعِجْناَ قبلَ أيامٍ قليلة بالشائعات الباطلة التي انتشرت بيننا. الواقع أن هذه الشائعات ليست بمهمة بحسب رأيي؛ لأن الإمكانيات والاستعداداتِ التي نمتلكها مختلفةٌ بعضُها عن بعض، وإنا نصبح ناجحين ومفلحين بِضَمِّ هذه الإمكانيات والاستعداداتِ إلى الأخرى والاستفادة جميعاً منها. ولقد كان وسوف يكون هناك من يحسدون أُخُوَّتَناَ تلك وتعاونَنا هذا من وقت لآخرَ.
وبمجرد خروج هذه الكلمات المتضمنة لكثير من التلميحات والإيماءات من فم الأسد، بدأ يحمرّ وجهُ الثعلبِ المحتال المكّار، بحيث أخذ يكلِّم نفسه خائفاً من افتضاح نيته “الخبيثة”:
«يا خسارة! سيبيِّن الأسدُ بعد قليل ما خطّطت لفعله. والحيوانات ستوبخني قبل أن أحقّق هدفي.»
وكان الأسد يواصل حديثه أثناء ذلك:
– عاش أخونا الثّعلب! لأنه أجبرنا على إجراء هذا الامتحان والمسابقة! وقد انتهت الامتحانات والمسابقات وتبينت النتائج. فاكتشفنا أن كل واحد منا قد نجح في مجال من المجالات، ولم يأتِ أحد بالدرجة الأولى في المجالات كلها. ذلك لأن خالقنا سبحانه وتعالى متّع كل فرد منا بمهارات وإمكانيات واستعدادات مختلفة متنوّعة، كما وهب أيضاً أدواتٍ ووسائلَ لنحقّق الغاية من وجودنا على هذه الأرض، ألا وهي العيش وفق القوانين الإلهية في الكون والحياة من خلال تطبيق قانون «التسخير وتقسيم الأعمال» فيما بيننا. إذن لا داعي للنزاع والصراع، ولا ضرورة لاختراق مجالاتنا الخاصة بنا للتطاول على أخرى، فإن ذلك اعتداء على فطرتنا وكذلك على حقوق الآخرين وهدر لطاقاتنا.
– والآن سأعطي كل واحد منكم جائزته.
وقد منح الأسد فعلاً لكل من أتى بالدرجة الأولى هديته. وبدأت الحيوانات تطلق جميعاً هتافات الفرح والسرور تتبادل التهاني فيما بينها. وعاد الكل يعطي صديقَه الآخرَ قيمةً وأهميةً أكثر من السابق.
وبينما كان يستمر الفرح والطرب بين الحيوانات أدلى الأسد ببيان آخر حيث قال:
– أيها الأصدقاء! ينبغي أن لا ننسى تقديم الشكر للثعلب.. الثعلب الذي سبّب لنا العيش يوماً كهذا، ذلك أن لِوجوده بيننا حكماً كثيرة!!
– فلو لم يتسبّب الثعلب في تمهيد الطريق لهذه الامتحانات لما اكتشفنا الفروق الفردية بيننا، ومواضع التفوق والتميز لبعضنا على بعضنا الآخر في مجالات مختلفة.
ثم توجّه إلى الثعلب وقال له:
– أيها الأخ الثعلب، نشكرك! نشكرك على أن جعلت كل الأصدقاء يشعرون ويحسّون بالحب والمودة تجاه بعضهم البعض.
أصبح هذا الحدث درساً مريراً للثعلب وعبرة لحيوانات الغابة. إذ كان قد حاول أن يوقع العداوة والبغضاء بين الحيوانات، لكنه باء بالفشل، وانقلب السحر على الساحر. لأن الأمر انتهى إلى أن ترسخت روابط الأخوة والصداقة فيما بينها كالجبال الرواسي. وفضلاً عن ذلك، فإن جميع حيوانات الغابة، فيما عدا الثعلب، حصلت على جائزة ما لنجاح كل منها في مجاله.