محمد شتين جولاتش
حين لم تتفق أحزاب المعارضة على تشكيل حكومة ائتلافية بعد أن حصلت على نحو 60% من الأصوات بدأ العدالة والتنمية بالتفكير في حياكة “سيناريوهات جنونية” لدرجة أنه يطوّر مشاريع سياسية استعداداً لاحتمال الإعلان عن انتخابات مبكرة بعد رفضه أي نوع من الحكومات الائتلافية.
ولا بد أن نسجّل هنا ما قاله عبد الله جول، بعد يوم واحد من لقائه الخاص مع الرئيس رجب طيب أردوغان في البرلمان، من أنه “إذا كانت هناك حاجة لي فلن أتردد في تحمّل المسؤولية، فلن أتخلى عن الواجب عند اللزوم ولن أدخل المنافسة في الوقت ذاته”.
فثمة لعبة جديدة تنتظرها الساحة السياسية في تركيا.
فهل يتمّ الإعداد ليتولى عبد الله جول رئاسة حزب العدالة والتنمية خلال مؤتمر عام محتمل للحزب في الخريف المقبل؟
قد تتساءلون ما الجدوى من ذلك؟
هناك من يفترض أن الحزب سيكسب قوة بوجود جول إلى جانبه، وأنه سينفرد بالحكم في الانتخابات المبكرة مرة أخرى.
هذه الفرضية تعتمد على معلومات مسربة من أعضاء العدالة والتنمية الذين باتوا خارج البرلمان والحزب بسبب مبدأ “عدم الاستمرار أكثر من ثلاث دورات برلمانية” للحزب. حتى يبدو أن بعض شركات استطلاع الرأي “المنحازة” تقوم بتعبئة وحثّ الحزب الحاكم في هذا الصدد.
ولذلك قد تكون هناك انتخابات مبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل قبل تشكيل حكومة ائتلافية، وإن تشكّلت سيكون عمرها قصيراً.
وما تخفيض نسبة العتبة الانتخابية إلى 5% إلا مكر يُراد به استرجاع الأصوات من حزب الشعوب الديمقراطي بعد تسربها إليه من حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وترِد في وسائل الإعلام المقربة من قصر أردوغان تحليلات تتحدث كثيراً عن الانتخابات المبكرة وتزعم أن العدالة والتنمية سيحصل على المزيد من الأصوات. في حين تكاد تنعدم الأخبار التي ترى أن مصلحة تركيا تكمن في حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري أو الحركة القومية. بل إنهم يحلمون بأن ينفرد العدالة والتنمية بالحكومة عقب انتخابات مبكرة محتملة.
إلا أن ما يغيب عن أذهانهم هو هذا الاحتمال:
إذا ما انهار السوق فلا يمكن توقع من هو الحزب الذي سيحمّله الشعب مسؤولية ذلك، أي قد تجري الرياح بما لا تشتهي سفن الحزب الحاكم. إذ ترى وكالات التقييم الائتماني أن انتخابات مبكرة محتملة قد تؤدي إلى تراجع التصنيف الائتماني لتركيا. لذلك فإن حلمهم بالانفراد بالسلطة دون أخذ هذه الحقائق بالاعتبار يلحق الضرر بتركيا، بقدر ما يلحق الضرر بالحزب كذلك.
إنه جنون سياسي بكل معنى الكلمة!
ذلك لأن السوق بدأ يشهد ارتياحاً وتحسناً بعد أن رأى “الائتلاف الكبير” الذي أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو/ حزيران الجاري.
ومع أن العدالة والتنمية بإمكانه السير أمام هذه الرياح لدفعه للأمام بسرعة كبيرة، لكن يبدو أنه يفضل وجود 10 عصافير فوق الشجرة على عصفور واحد باليد. ومن الممكن أن يهرب العصفور الواحد من يد الحزب إن حاول إمساك العصافير العشرة فوق الشجرة!