عبد الحميد بيليجي
طلب الأمين العام الأسبق لمجلس الأمن القومي التركي تونجير كيلينتش من رئيس الوزراء الأسبق عبد الله جول في أول لقاء جمعهما قائلًا: “سيكون أمرًا رائعًا إذا خلعت زوجتك حجابها، فلو فعلت شيئًا كهذا سنبني لكم تمثالًا!”. كانت أيامًا استطاع خلالها جنرال بالجيش أن يملي على زوجة رئيس الوزراء ما يجب أن ترتدي من الملابس.
دق هاتف مقر إقامة وزير الخارجية مساء يوم 27/4/2007، وكان المتصل هو عمر تشليك، وكان مضطربًا؛ إذ قال: “تلقيت معلومات استخباراتية، لقد كتب الجيش بيانًا ضد الحكومة، ويقال إنهم سينشرونه على موقعه على الإنترنت بعد قليل”. اتصل وزير الخارجية وقتها عبد الله جول على الفور برئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وأطلعه على الأمر، وأخبره بضرورة منع نشر البيان، واقترح عليه أن يتصل برئيس هيئة أركان الجيش يشار بويوك أنيت. عاد أردوغان بعدها بعشر دقائق، ولم يستطع الوصول إلى رئيس الأركان. وقال جول لأردوغان: “لا تخرج من البيت هذه الليلة، سأجمع الأصدقاء غدًا ونلتقي”. وفي الواقع نشرت المذكرة في الساعة 23:20 من مساء ذلك اليوم.
كانت خير النساء، زوجة وزير الخارجية وقتها عبد الله جول، تتابع في هذه الأثناء مشاهد إعدام رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس في مسلسل “تذكَّر أيها الحبيب”. وعندما قالت لزوجها “هل يعيد التاريخ نفسه؟”، أخبرها بأنه يجب أن يكونوا مستعدين لكل شيء، وقال إنه إن حدث له شيء يمكنها أن تثق باثنين من أصدقائه أعطاها اسميهما.
عقد المسؤولون البارزون بحزب العدالة والتنمية اجتماعًا استمر حتى الساعة الرابعة فجرًا للتشاور بشأن الرد الذي سيردون به على مذكرة الجيش. وفي الصباح أدخلوا التعديل النهائي على النص في الاجتماع الذي حضره أردوغان الذي حاول الاتصال برئيس هيئة أركان الجيش، لكنه لم يستطع الوصول إليه مرة ثانية. كانت أيامًا لم يكن رئيس الوزراء فيها بإمكانه الوصول عبر الهاتف إلى رئيس هيئة الأركان.
لم يكن العسكريون يريدون أن تسير زوجة جول المحجبة على السجادة الحمراء خلال مراسم استقبال رؤساء الدول الأجنبية. وبعد بحث طويل وجدوا هذه المعادلة: عندما يصل الزعماء الأجانب وزوجاتهم إلى قصر تشانكايا الجمهوري ويستقبل الرئيس جول ضيفه في المكان المخصص لذلك تستقبل زوجته خير النساء زوجة الضيف عند باب الضيوف (ج)، فيما يسير جول مع ضيفه على السجادة الحمراء ليصلا إلى الباب (أ)، ومن ثم تخرج خير النساء مع زوجة الضيف ليقفوا جميعًا أمام عدسات الكاميرات لالتقاط الصور التذكارية. وقد استمر تطبيق هذا الإجراء لثلاث سنوات، وكانت خير النساء تتمرد خلال هذه المدة على هذه التفرقة، لكن لم يكن بيدها شيئا تفعله، فأطلقت على باب الضيوف (ج) اسم “باب العقاب”.
وبعد مرور ثلاثة أعوام أوجدوا معادلة جديدة من أجل التخلص من غضب زوجة الرئيس بينما كانوا ينتظرون زيارة رئيس دولة زامبيا. لن تستطيع خير النساء السير على السجادة الحمراء مجددًا، لكن سُمح لها بالعبور من فوق العُشب. نفد صبر زوجة الرئيس، وقاطعت تلك المراسم قائلة إنها “لن تحضر مرة ثانية مراسم تحتقرها كهذه المراسم”. غير أنه بعد إجراء الاستفتاء التاريخي يوم 12/9/2010 استطاعت خير النساء أن تسير للمرة الأولى على السجادة الحمراء خلال زيارة الرئيس الألماني كريستيان ولف في شهر أكتوبر / تشرين الأول من العام نفسه.
كانت هذه الأيام أيامًا حُظر فيها على” السيدة الأولى” في تركيا أن تسير على السجادة الحمراء في بلدها في حين أنها كانت تسير عليها في كل دول العالم.
رفع النائب العام بالمحكمة العليا عبد الرحمن يالتشين كايا دعوى لإغلاق حزب العدالة والتنمية ومنع 71 شخصًا، من بينهم أردوغان وجول، من ممارسة العمل السياسي بتهمة” ممارسة أعمال ضد العلمانية”. لكن الحزب نجا من الإغلاق بفارق صوت واحد. وكان جول يقول آنذاك: “لو كان الحزب قد أغلق لكانوا حاولوا بشتى الطرق عزلي من منصب رئيس الجمهورية”.
كانت أيامًا كان حزب حصل على 47% من أصوات الناخبين فيها على وشك أن يغلَق بأمر قضائي.
كانت الأيام الأولى لعبد الله جول في رئاسة الجمهورية. جاءت رسالة من القائد المعاون لرئاسة أركان الجيش أخبرت بأن قادة الجيش لن يشاركوا في مراسم الاستقبال التي تحضرها زوجة الرئيس خير النساء. وقد شعر جول بالضجر، لكنه أراد ألا تحدث حالة من التوتر، فطلب تنظيم حفلين أحدهما بصحبة الزوجات والآخر بدونهن.
كانت أيامًا لم يكن بالإمكان إقامة مراسم يشارك بها أركان الدولة وزوجة الرئيس على مدار خمس سنوات حتى عام 2012.
يشرح الكاتب أحمد سيفر في كتابه “12 عامًا مع عبد الله جول” وجهة نظر الرئيس السابق في العديد من الأحداث بدءًا من احتجاجات متنزه جيزي بارك وصولًا إلى التحقيق في ادعاءات الفساد والرشوة التي كشف عنها يومي 17 و 25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، وخيبة أمله الكبيرة إزاء رفيق دربه أردوغان، وكيف جرى تحويل تركيا إلى دولة قمعية ومتصارعة مع الجميع كما كانت في الماضي بعدما كان يشار إليها بالبنان كدولة نموذجية. وقد ذكّرنا الكاتب بهذه المشاهد المخزية باسم الديمقراطية في تركيا. وكان هذا أمرًا جيدًا لتذكير أولئك الذين يتصرفون وكأن شيئًا لم يحدث.
لكن الغريب أن أيّاً من جول أو سيفر لم يشر أبداً إلى العناصر التي لعبت دوراً كبيراً في الحدّ من نظام الوصاية العسكرية الذي كان رئيس هيئة أركان الجيش لا يردّ فيه على رئيس الوزراء عند اتصاله به، ويُحظر فيه سير زوجة رئيس الجمهورية على السجادة الحمراء. وكأن ما حدث من هذه المحظورات ومحاولات الانقلاب وإغلاق الحزب الحاكم كانت خيالاً أو كانت” مؤامرة”، كما يصفون بها اليوم قضيتي أرجنيكون والمطرقة الانقلابيتين.
ألم يعترض جول على إعلان القضاة والمدعين العموم والمسؤولين الأمنيين الذين أشرفوا على تحقيقات قضايا انقلابية مثل قضيتي تنظيمي أرجنيكون والمطرقة اللتين أراحتا السلطة المدنية الحاكمة آنذاك أي العدالة والتنمية باعتبارهم انقلابيين بل حتى إيداعهم في السجون؟ أليس من العجيب ألا يصدر أي اعتراض من جول الذي عرف الظلم الذي تعرضت له العديد من الشخصيات وحاول تقديم الدعم لهم، على سجن الإعلامي هدايت كاراجا، الذي دعمه هو وحزبه في أصعب الأوقات، منذ 6 أشهر، أو إلصاقِ تهمة الإرهاب بالصحفي أكرم دومانلي الذي رافقه في عشرات جولاته الخارجية أو حبسِ الصحفي محمد بارانصو لنشره وثائق تتعلق بمحاولة الانقلاب على الحكومة أو تنفيذ حملة “مطاردة الساحرات” ضد حركة الخدمة، التي تعتبر جماعة اجتماعية، داخل تركيا وخارجها وتشويه صورتها في كل مكان؟
ألم يعترض جول على منح ميدالية للرئيس السابق لأركان الجيش بويوك أنيت الذي نشر مذكرة ضده وإعلان حزب العدالة والتنمية أن جميع دعاوى الانقلاب كانت “مؤامرة” ضد الجيش؟ فهل لو لم نكن قد شهدنا هذا الكفاح الديمقراطي هل كنا سنشهد رفع الحظر الذي كان مفروضًا على السيدة خير النساء جول ومن كان مظلومًا مثلها؟
جريدة زمان 22/6/2015