علي بولاج
اكتمل الدين باكتمال وحي القرآن الكريم: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” (المائدة – 3). تخبرنا هذه الآية الكريمة بأن تدفق المعلومات والأخبار الواردة إلينا من الخارج على مدار التاريخ قد انتهى. فمعنى أن الدين وصل إلى الكمال أن الكلمة الأخيرة قد قيلت والنقطة الأخيرة قد وضعت في مكانها.
“وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ” (الأنعام – 115). قيل الكلام، وتمت الرسالة، وصيغت العقيدة، وجاءتنا المعلومات الأخيرة الخاصة بالحقيقة. وإذا أراد الإنسان الوصول إلى الحقيقة وإدراكَ مغزى الخلق والوجود، فعليه الرجوع إلى الوحي الأخير، وإذا أراد الحصول على السعادة والطمأنينة الحقيقية في الدنيا والآخرة فعليه أن ينظم حياته ليعيش وفق الأحكام الإلهية وفي إطار ما بلغه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
لكن دعوني ألفت انتباهكم إلى نقطة واحدة؛ ألا وهي أن تمام الدين واكتماله لا يعني أن البشر لن يتكلموا بشأن الدين ولا لأحد أن يفسر ويؤوِّل ويجتهد. فإذا كان الدعاء هو حديث الإنسان مع ربه، فالوحي هو حديث الرب مع عباده. ولاشك في أن الله وعباده سيتحدثون مع بعضهم البعض على الدوام.
لقد نزل الكتاب الأخير، لكننا سنشهد تأليف الكتب وتركيب العبارات التي تهدف لفهم هذا الكتاب إلى يوم القيامة.
إن عقد مقارنة بين الإسلام وسائر الديانات الأخرى تبين لنا أن الدين الذي “وصل إلى الكمال أو الاكتمال” يجب أن يمتلك الخصائص التالية:
1- أن يمتلك الدين الكامل نظرة وجودية عامة وشاملة، وبعبارة أخرى أن يمتلك تصوراً عالمياً محيطاً شاملاً.
2- أن يمتلك آثارًا عميقة واستدامة في التاريخ الذي يعتبر مجموعة التجارب التي مرت بها الإنسانية.
3- أن يتضمن توضيحات مطمئنة تتعلق بمفهوم الحياة وهدفها.
4- أن يحمل أحكامًا تستطيع أن تعطي إجابات لفطرة الإنسان واحتياجاته الأساسية والأصلية.
5- أن يقدم خريطة طريق شاملة تضمن إدراك مفهوم الوجود من خلال الوصول إلى السعادة في الدارين.
يستند الدين الإسلامي كما صنفه علماء الإسلام، الذين يتخذون القرآن الكريم والسنة النبوية أساسًا لتفسيراتهم، إلى العقيدة والعبادات والمعاملات والعقوبات بهدف فهم شامل لحياة الإنسان والمجتمع وعيشِ الأفراد وفق الإرادة والرضا الإلهي من خلال التنظيمات الضرورية، وهو يجعل من المواضيع في هذه المجالات وحلول المشاكل متناسقة مع بعضها البعض، أي أنه يوحّد الحياة دون أن يفرق بين الناس.
لا يمكن لأي دين كامل أن يقسم الحياة إلى أجزاء منفصلة ليجعل كل جزء منفصلًا ومطلقًا عن الأجزاء الأخرى، ولا يجدر به أن يتسبب في تفريق الناس وشرذمتهم، بل إنه يتخذ من التوحيد أساسًا له كما أكد في أساس نظرته للوجود، ويربط الإنسان بمبدأ جامع وموحد وراقٍ، أي التوحيد، من خلال أفكاره ومعتقداته وطريقة حياته. والمفهوم الحقيقي لعبارة “كمال الدين” هو الإتمام والكمال بكل معنى الكلمة.
إن اليهودية والنصرانية والبوذية وغيرها من الأديان هي ديانات من ناحية المبدأ بوجه عام. وتمتلك هذه الأديان علومًا خاصة بها ومعتقدات وطقوساً تأمر بها أتباعها وأشكال حياة واضحة. وبطبيعة الحال ينطبق الأمر نفسه على الإسلام، لكن الإسلام ليس دينًا فقط، فهو إلى جانب كونه دينًا فإنه “الدين” أيضاً، وهو أهم ما في الموضوع. وهناك فارق كبير من الناحية الاصطلاحية بين كلمة “دين” المنكرة وكلمة “الدين” المعرفة.
لا يدرك معظم الناس هذا الفارق بما فيه الكفاية، ولا يعرفون ما معنى هذا الفارق. ولهذا السبب يتناولون الإسلام في أغلب الأحيان في التصنيف نفسه مع الأديان الأخرى، ويتحدثون عن وجود جوانب الضعف والقصور في الأديان الأخرى في الإسلام أيضاً، وهم مخطئون في ذلك بلا شكّ.
يمكن أن نقول إن الإسلام عانى كثيرًا ولايزال يعاني بسبب ضعف الأديان الأخرى وقصورها. وتلعب الدور الأكبر في هذا الجانب التجربة الخاصة التي عاشها العالم الغربي مع دينه والعلوم الاجتماعية والدراسات الأكاديمية التي تطورت بناء على هذه التجربة.
أما السؤال الذي ينبغي لنا أن نبحث له عن إجابة فهو: ما معنى الدين؟ سنحاول أن نبحث عن هذا الجواب في مقالتنا القادمة بمشيئة الله.
وكل عام وأنتم بخير والأمة الإسلامية بأفضل حال.
جريدة زمان التركية 18/6/2015