انتقل إلى جوار ربه الأستاذ الدكتور الصفصافي أحمد قطوري الكاتب والمفكر المصري، والذي يعتبر من أهم وأبرز كتاب مجلة حراء، وقد لقبه الكثيرون بأبي اللغة التركية بمصر نظرًا لإسهاماته الكبيرة في حقل اللغة التركية بمصر، حيث كان من رواد مؤسسي أقسام اللغة التركية في الجامعات المصرية وجامعة عيش شمس بالتحديد.
وللصفصافي العديد من المؤلفات العلمية والأدبية والسياسية والثقافية المتعلقة بالقضايا المهمة في العالم العربي وتركيا، من أبرزها: “دراسات في الشعر التركي – دراسات في الأدب الشعبي التركي، دراسة وثائقية، إسطنبول.. عبق التاريخ وروعة الحضارة، قواعد اللغة العثمانية والتركية، القيم الأسرية بين الأصالة والمعاصرة، اللغة التركية.. قواعد ونصوص، دراسات في الشعر التركي حتى بدايات القرن العشرين، أوراق تركية حول الثقافة والحضارة. (في كتابين)، اللغة والأدب والفنون – يشار كمال والقصة التركية القصيرة، مرآة جزيرة العرب – رحلة آوليا جلبي إلى الحجاز.. الرحلة الحجازية “. بالإضافة إلى تأليفه معاجم منها: معجم تركي عربي، والمعجم التركي العربي الكبير، والمعجم التركي العربي الصغير، والمعجم العثماني التركي العربي الكبير، والمعجم التركي العثماني العربي الجديد؛ إلى جانب كتب عديدة ترجمها من اللغة التركية إلى اللغة العربية في مجال الأدب والتاريخ والثقافة والفنون.
وكان من أبرز كتاب مجلة حراء حيث كتب حول التاريخ والحضارة، وخاصة التاريخ العثماني، كما كتب كذلك في الثقاقة والفن الإسلامي، بالإضافة إلى أبحاث حول فكر الأستاذ فتح الله كولن ومدرسة الخدمة، وكان يعتبر مجلة حراء على أنها عودة للتلاحم الثقافي بين العرب والأتراك، وقد نعى الأستاذ نوزاد صواش المشرف العام على مجلة حراء الأستاذ الدكتور الصفصافي أحمد قطوري قائلاً: “أفضال الدكتور الصفصافي على مجلة حراء كبيرة. فقد أسهم في بناء الخط الفكري لحراء قبل تأسيسها، وكان حاضرًا دائمًا في المجلة، وقد استعَنّا به مرارًا في ترجمة بعض المقالات من اللغة التركية إلى اللغة العربية ونشرناها في حراء، فقد كان متمكنًا في اللغة التركية بحق، ومترجمًا فذًا إلى العربية. ولم يقتصر إسهامه في حراء على الترجمة فقط، بل كان كاتبًا بارعًا كذلك حيث كتب في الثقافة العثمانية والحضارة الإسلامية التركية بجدارة. وكان ملمًا باللغة التركية نطقًا وكتابة”.
وتابع صواش مشيدًا بأعمال الأستاذ الراحل قائلاً: “كما أنه كان وفيًّا لمشروع حراء، فلم يغب عن ندوة أو مؤتمر أو نشاط عقدناه في مصر أو في مكان آخر من العالم. وأذكر أنه شارك في ندوات لنا في القاهرة وتركيا وأمريكا وأوروبا وبعض دول آسيا الوسطى. وكان محبًّا للأستاذ فتح الله كولن، قارئًا لكتبه، باحثًا في مشروعه، كاتبًا فيه، محاضرًا عنه، معجبًا برؤيته. وكان من أوائل المثقفين العرب الذين زاروا الأستاذ فتح الله كولن في الولايات المتحدة الأمريكية والتقوا به مباشرة وحاوره. كما ترجم كتابًا ألف عن الأستاذ فتح الله كولن من التركية إلى العربية، وكذلك أشرف على رسالة ماجستر حول مشروع الأستاذ كولن التربوي، وكانت من الرسائل الأكاديمية الأولى التي أنجزت حول مشروع الأستاذ فتح الله كولن الإصلاحي في العالم العربي”.
وأثنى صواش علىى دماثة أخلاق المرحوم بهذه الكلمات: “الدكتور الصفصافي كان قمة في الأدب والتواضع وطيب المعشر وحلاوة الحديث، كان الوجه المبتسم البشوش بين العرب والأتراك، كان الجسر الواصل بين شعبين شقيقين، فلا يطرق أحد بابه يطلب منه معونة أو مشورة ويعود خاوي اليدين. نحن ممتنون وشاكرون له خدماته المخلصة، وشهادتنا بين يدي الله بأنه كان الصادق الوفي لمشروع الإسلام الحضاري المستنير. وقد فقدت حراء علمًا من أهم أعلامها، نسأل الله تعالى أن يهيئ لنا من يسد الفراغ الذي تركه. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى”.
وبدوره تقدم الأستاذ نور الدين صواش مدير تحرير مجلة حراء بأحر عبارات التعازي قائلاً: “كم آلمنا نبأ وفاة أستاذنا الغالي ومستشارنا العزيز وكاتبنا الجليل الدكتور الصفصافي أحمد القطوري الذي كان يبث عبر قلمه السيال أفكارًا نيرة ومعلومات قيمة يستفيد منها قراء حراء منذ العدد الأول. بهذا المصاب الأليم وبقلب مؤمن بقضاء الله وقدره، نتقدم إلى أهل فقيدنا وأشقائه وأحبابه بالتعازي القلبية الحارة وبالمشاعر الفياضة والعواطف الأخوية المخلصة، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته. وإذا كان مصير الوردة الذبول، إلا أن ذكراك يا أستاذنا ستبقى أبدًا ولن تزول”.
ويضيف الأستاذ إسحاق إنجي مدير تحرير جريدة الزمان العربية -وقد كانت له مناسبات مع الأستاذ قطوري- أن الأستاذ قطوري ألقى محاضرات عن التاريخ العثماني في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي نفس هذه المناسبة زار الأستاذ فتح الله كولن وتحدث معه باللغة التركية، كما زار مجموعة من مؤسسات الخدمة في أمريكا وتأثر بها كثيرًا، حيث أنه عندما عاد إلى مصر حدَّث طلبته عما رأى لشهور عدة، كما أنه عمل على توجيههم إلى كتابة أبحاث حول مشروع الخدمة.
وقد تحدث الأستاذ قطوري في مناسبات مختلفة عن فلسفة مدرسة الخدمة في الإصلاح والتي رأى أن أهم معالمها:
- التربية والتعليم والتي تعتبرها الخدمة أولوية من أولوياتها.
- البعد العالمي والذي جعل دولة تركيا تحيي روابط الأخوة مع مختلف دول العالم.
- الخدمة تركز على التربية الأخلاقية للمواطن، فإذا استطعنا أن نبني مواطنًا صالحًا فهذا المواطن يستطيع أن يتدبر أموره في أصعب المواقف التي يمكن أن يتواجد فيها.
- إذا ربينا جيلاً على أخلاق إسلامية، هذا الجيل ستتاح له الفرصة عاجلاً أو آجلاً إلى إدارة شؤون الأمة الإسلامية، فتكون الأمة في أيد خيرة.
- الخدمة حاولت أن تنشئ أرضية للحوار والتسامح والتعايش، فأبناء الخدمة تحاوروا مع أنفسهم أولاً، ثم نقلوا هذا النموذج إلى فئات أخرى.
- يرى الأستاذ فتح الله كولن أن الحضارات التي تحركت وفقًا لديناميكيتها وحافظت على عناصرها الرئيسية هي التي استمرت ووصلت إلى يومنا الراهن.
- مدارس الخدمة تأسست على ضرورة المزج بين الأخلاق والعلوم الحديثة بهدف تشكيل جيل جديد من الشباب قادر على مقاومة عوامل الإغراء الحديثة.
- المدنية في فكر فتح الله كولن هي غنى النفس، ورقّة الروح، وقبول الآخر، والاعتراف بحق الآخرين في الحياة، وتقبلهم وعدم الضيق بهم.
- انطلق محمد فتح الله كولن إلى توسعة دوائر الحوار مع الآخر المحلي والآخر الخارجي، وذلك عن طريق المزج بين التراث العرفاني والتسامح مع الآخر والتربية والتعليم التي تعتمد الأخلاق منهجًا سلوكيًا كما تعتمدها ومنهجًا تعليميًا.
رحم الله أستاذنا الصفصافي أحمد قطوري وأسكنه فسيح جناته، وجعل علمه ذخرًا لهذه الأمة.
من مجلة حراء