محمد كاميش
تَظهر صورة الحقيقة أكثر فأكثر مع مرور الأيام، ويتضح كل يوم بشكل جليّ أن الصراع لا يدور بين حركة الخدمة وحزب العدالة والتنمية، بل بين نظام استبدادي وكلِّ من يعترضون عليه. وما يؤكد وجهة نظري الكتاب الجديد الذي ألفه أحمد سيفر واستطلاع رأي أجراه حزب العدالة والتنمية عقب الانتخابات الأخيرة.
يمكن أن نرى في كتاب سيفر الذي يحمل عنوان “12 عامًا مع عبد الله جول” كيف أن الرئيس السابق لتركيا شعر بالانزعاج بسبب رغبة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان في إرساء نظام “الرجل الأوحد”. وأود أن أذكّر السادة القراء بأنه ظهرت ادعاءات تشير إلى أن بعض أقسام الكتاب أخرجت منه وجرى التراجع عن نشرها.
يشير الكتاب، وإن لم يكن بالعبارات نفسها، إلى أن الرئيس أردوغان نسي المبادئ الأساسية التي قام عليها حزب العدالة والتنمية بعدما تخلص على مدار سنوات حكمه من العقبات التي كانت تعترض طريقه الواحدة تلو الأخرى، وإنه حوّل هذا الأمر إلى حكاية شخصية. ويتناول الكتاب بعض ما فعله أردوغان لمحو عبد الله جول من الحياة السياسية. ونستخلص من المعلومات الواردة في الكتاب أن هناك خلافًا كبيرًا بين أردوغان وجول، وأن هذا الأخير أخذ نصيبه وأكثر من غضب أردوغان.
لقد تناول حزب العدالة والتنمية الفشل الذي لحق به في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالرغم من استغلال جميع إمكانيات الدولة لتحقيق نتيجة إيجابية، وظهر أن التكبر كان السبب الأبرز لهذه الهزيمة.
يعتقد الناخب التركي أن الحزب الحاكم عاش حالة من “التسمم بالسلطة” وسيطرت عليه حالة من التكبر والغطرسة والتمرد وابتعد عن القيم المحافظة وغاص في عالم الإسراف والأبهة.
لقد تحمل أردوغان الفاتورة الأخرى للفشل. ورأى الناخب المؤيد لحزب العدالة والتنمية جيدًا ما هو السبب الرئيسي لمشكلة الحزب، وإن كان لم يحصل على معلومات صحيحة بسبب ما ينشره الإعلام الموالي للحكومة. واليوم نفهم أن أردوغان دخل في صراع ضد كل من وقف في طريقه نحو ترسيخ نظام “الرجل الأوحد” وفعل كل ما بوسعه للقضاء عليه.
كانت حركة الخدمة قد أعربت وقتها عن قلقها بشأن بعض القضايا التي نرى أسماء من مؤسسي حزب العدالة والتنمية اليوم يتحدثون عنها بصوت عال أحيانًا وخفية أحيانًا أخرى، لكننا اليوم نرى أن من هاجموا الحركة بعبارات يندى لها الجبين وأطلقوا ضدها حملة “مطاردة الساحرات” أو لم يعترضوا على ذلك على أقل تقدير يشتكون اليوم من الإجراءات نفسها. بيد أن الخدمة قد اعترضت على هذه الإجراءات بالطريقة نفسها. وقد عاب البعض عليها أنها قالت إن المال العام كمال اليتيم لا يمكن لأحد أن يأكل منه دون وجه حق، ونظروا إليها نظرة احتقار لأنها قالت إن الأبهة والفخامة ليست شعارًا للمؤمن. وقد أعلنوا الحرب على كل من قال “هدفنا هو سيادة القانون وضمان حرية العقيدة وأن يعيش الجميع بشكل آمن. ولم ننطلق للسير في هذا الطريق من أجل السلطة والثراء الشخصي”.
لقد اكتفوا فقط بمشاهدة حملة “مطاردة الساحرات” وتعليق العمل بالقانون التي شُنت ضد حركة الخدمة بما صاحبها من افتراءات وأكاذيب. بيد أن الصراع بدأ بالاعتراض على محاولة تحويل نظام الحكم في تركيا إلى نظام “الرجل الأوحد” المخالف للقوانين كافة.
كان ذنب حركة الخدمة هو أنها لاحظت مبكرًا نهاية الطريق الذي تسير فيه تركيا وأنها تجرّأت على التعبير بصوت عال عن اعتراضاتها في هذا المقام مع أنها لا تمتلك أي مطمع سياسي.
إنه لأمر مفرح أن يفهم الناس حقيقة ما يجري في تركيا بالرغم من فوات الأوان، وآمل أن يُطلق سراحُ المعتقلين في ظل تطبيق قوانين الغابة وينتهي نظام الظلم القائم حاليًا.
جريدة زمان 21/6/2015