علي بولاج
كنت قد كتبت مقالا عن فرض تركيا تأشيرة دخول على الفلسطينيين، وكعادتها فالصحف الموالية لحزب العدالة والتنمية أمطرتني بوابل من شتائمها.
وما يحيرني في الأمر هو كيف يسمح هؤلاء الذين يذكرون اسم الله لأنفسهم أن ينطقوا بتلك الشتائم القذرة. فبغض النظر عن الحقوق والآداب في الإسلام، فهؤلاء لا يستطيعون حتى التحلي بأقل قدر من اللياقة، ما الذي يجعل الإنسان فظا ووقحا لهذه الدرجة حتى يغرق في مستنقع الأكاذيب والافتراءات والشتائم؟ لكنني على أية حال لن أزيد عن الدعاء لهم جميعا: “أصلحكم الله”.
ما كنت أعلم بأن تركيا تفرض على الفلسطينيين تأشيرة الدخول قبل ذهابي إلى فلسطين في شهر مايو/ أيار الماضي. فقد علمت بذلك من الفلسطينيين. فالحكومة التركية لا تطالب الإسرائيليين، ومن لديهم الجنسية الإسرائيلية من الفلسطينيين بتأشيرة الدخول كما لا تطالب الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية بالتأشيرة منذ عام 2010. لكنها تطالب الفلسطينيين المقيمين في غزة بالتأشيرة مع أنهم في وضع مأسوي وهم الذين يخوضون نضالا مريرا ضد العدوان الإسرائيلي. وهم مضطرون للإقامة في المخيمات ولو كان لديهم جواز سفر.
وسألت مصادري الفلسطينيين ثانية إن كانت المعلومات التي منحوني إياها خاطئة فوسائل الإعلام الموالية للحكومة تدعي بأنه لا مشكلة بالنسبة للفلسطينيين في دخول تركيا دون تأشيرة حتى لو لم يكونوا من مواطني الأردن. وهذا هو جوابهم:
الفلسطينيون على 4 وضعيات مختلفة:
1- المواطنون الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية أو أهالي القدس الذين يحملون جواز سفر إسرائيليا.
2- الذين يحملون الجنسية الأردنية.
3- أهالي غزة.
4- أهالي الضفة الغربية.
وإن تركيا بالأصل لا تطالب الإسرائيليين والأردنيين بتأشيرة دخول وبالتالي لا تطالب الفلسطينيين الذين يحملون جنسية هذين البلدين. لكن المشكلة لدى أهالي الضفة فسكان نابلس وبيت لحم وطولكرم وجنين وأريحا وقلقيلية وطوباس وسلفيد والفلسطينيون الذين بقوا خارج الأسوار في القدس مطالبون بالتأشيرة من أجل دخول تركيا. وهناك الملايين من الفلسطينيين في هذه المناطق. والفلسطينيون يؤكدون مشقة حصولهم على تأشيرة الدخول إلى تركيا وبخاصة الشباب منهم. وكان الفلسطينيون الذين تظاهروا في إسطنبول بمناسبة الذكرى 67 للنكبة وقيام إسرائيل قد طالبوا تركيا بإعفائهم من تأشيرة الدخول.
حاملو جواز السفر الفلسطيني بوسعهم الذهاب إلى 20 دولة فقط من دون تأشيرة وليست تركيا من بين هذه الدول. والآن أسأل أولئك الذين وصفوني بالمأجور والكاذب والمفتري: لنفرض أن تركيا لا تطالب الفلسطينيين بالتأشيرة وأنني جانبني الصواب في ادعائي. فما هو قولكم فيما تذكره وزارة الخارجية التركية على موقعها الالكتروني وتذكر فيه الدول المعفاة من التأشيرة:
فلسطين: يعفى حاملو جوازات السفر الدبلوماسية من التأشيرة، وذلك للإقامة مدة شهر في زيارة سياحية أو رسمية أو بسبب العبور إلى دولة أخرى. أما غير هؤلاء من حاملي الجوازات فمطالبون بالتأشيرة.
إسرائيل: يعفى حاملو جواز السفر الرسمي أو العام من التأشيرة ويحق لهم الإقامة لمدة 90 يوما.
وقال لي أحد المطلعين، عبر البريد الالكتروني، واسمه وعنوانه محفوظان لدي: “أنت تعلم يا أستاذ علي أن تركيا تفرض على الفلسطينيين التأشيرة كي لا يترك الفلسطينيون وطنهم ويتخلوا عن أراضيهم بسبب المظالم التي يتعرضون لها… فهذه هي غاية إسرائيل الظالمة”. ولكنني لا أدري مدى صحة هذه الادعاء.
ومن ناحية أخرى فإن سياسة تركيا إزاء فلسطين في السنوات الأخيرة خاطئة من أساسها. وهذه السياسة لن تكون دواء شافيا لجراح الفلسطينيين وقد تقودنا للنزاع مع العالم العربي. فمطالبة تركيا من بعض الفلسطينيين العاطلين عن العمل الذين قدمت لهم بعض المال أن يعلقوا العلم التركي على المسجد الأقصى أمر استفزازي ينم عن جهل وسذاجة. وأتمنى اتباع تركيا سياسة عقلانية ومسؤولة لحل المشكلة من جذورها. وأرجو أن تضيف الحكومة الجديدة هذه العبارة فيما يخص الفلسطينيين على موقع وزارة الخارجية التركية: “يحق لحاملي جوازات السفر الرسمية والعامة من الفلسطينيين الإقامة في تركيا لمدة 90 يوما دون تأشيرة دخول”.