إسطنبول (زمان عربي) – تشهد السياسة التركية في سوريا أكثر مراحلها انهيارًا إذ نقلت أنقرة 15% من قواتها البرية إلى المنطقة الحدودية مع سوريا التي من المنتظر أن تستقبل موجة جديدة من اللاجئين يقدر عددهم بـ700 ألف شخص.
اضطر تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي “داعش” للانسحاب من مدينة تل أبيض، التي تعتبر أهم نقطة استراتيجية يسيطر عليها في سوريا، بعد عمليات نفذتها عناصر وحدات الحماية الشعبية الكردية (YPG) وجماعات بركان الفرات. وقد جعل هذا التطور أنقرة تأخذ حذرها. فتركيا التي تريد تأسيس منطقة آمنة على الحدود لا تستطيع أن تخطو أية خطوة في سبيل تحقيق هذا الهدف لأن أحدًا لم يستطع إقناع التحالف الدولي.. فما هي وجهة نظر تركيا إزاء التطورات الأخيرة التي تشهدها سوريا؟
فيما يلي نسرد التحليل الخاص بتطورات الأوضاع في سوريا كما عرضته الصحفية سربيل تشفيك جان من صحيفة” ميلليت” التركية.
في الوقت الذي تصب فيه أنقرة تركيزها على مسألة تشكيل الحكومية الائتلافية الجديدة، تركز على الأخبار القادمة من حدودها مع سوريا. ولقد تدفق الآلاف من اللاجئين السوريين من جديد على الحدود التركية بسبب العمليات العسكرية بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وجماعات بركان الفرات التابعة للجيش السوري الحر. للسيطرة على مدينة تل أبيض الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش والواقعة بين مدينتي كوباني (عين العرب) والجزيرة المواجهة تقريبًا لقرية أكتشه قلعة الحدودية التركية مع سوريا.
أكثر ما يشغل تركيا
خصصت الحكومة التركية الجانب الأكبر من اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد بالأمس لتناول التطورات على الحدود مع سوريا؛ إذ طرح رئيس هيئة الأركان الجنرال نجدت أوزَل وقادة الجيش هذه المسألة على طاولة النقاش، ذلك أن المشهد الأخير الذي اختارت فيه واشنطن حزب الاتحاد الديمقراطي كحليفها يهم تركيا أكثر من أي طرف آخر. فالموضوع له بُعدان من وجهة نظر أنقرة التي اضطرت لفتح أبوابها لاستقبال أكثر من مليوني لاجئ بسبب الحرب الأهلية في سوريا؛ أولهما بكل تأكيد عدم الوقوف موقف المتفرج أمام هذه المأساة الإنسانية.
ويشير الخبراء إلى أنه يجب على تركيا غلق حدودها من أجل تأمين أراضيها. لكن من الواضح أن أنقرة لن تقف موقف المتفرج كذلك اليوم أمام المأساة الإنسانية التي تعيشها سوريا بعدما انتهجت سياسة الباب المفتوح واستقبلت مئات الآلاف من اللاجئين الذين وصلوا إلى حدودها هربًا من الحرب الأهلية في سوريا.
الجيش التركي يفتح الحدود ويغلقها
يستقبل الجنود المرابطون على الحدود التركية اللاجئين الفارين من الحرب في سوريا بشكل منتظم وفق التعليمات الواردة من ولاية شانلي أورفا. ولهذا السبب فإن الجيش التركي يفتح الحدود ويغلقها في الأوقات التي تراها الولاية، التي تتلقى تعليمات مباشرة من أنقرة. وإذا انتقلنا إلى الحديث عن سبب هذه التحركات سنجد أنها مدينة تل الأبيض التي تعتبر أكثر النقاط الإستراتيجية التي يسيطر عليها تنظيم داعش شمال سوريا بعدما طردت عناصره من كوباني.
ويعني فقدان داعش لتل أبيض الواقعة بين كوباني والجزيرة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي ويوجد بهما كذلك عناصر من الجيش الحر أن ينتقل الخط الشمالي في سوريا بالكامل إلى سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره تركيا امتداد منظمة حزب العمال الكردستاني في سوريا.
تتحرك الولايات المتحدة وسائر دول التحالف الدولي الأخرى من هذا المنطلق، وتشن قواتها هجمات جوية متتالية. وقد بدأت هذه العمليات التي تتابعها تركيا عن كثب يومي 30 و31 مايو / أيار الماضي. وبحسب بيانات المصادر الأمنية، فقد استهدفت العناصر الجوية للتحالف الدولي قرية نوستل، المقابلة لبلدة أكتشه قلعة التركية، والقرى القريبة منها مثل الحوارية وعيسى عبدول وزيدي ورجم وعرفا وأضرحتها، ثم أخلت وحدات الحماية الشعبية الكردية تلك القرى.
مقتل 35 شخصًا!
نصب القرويون الهاربون الخيام، لكن تلك المنطقة شهدت هجمات جوية وعمليات من جانب وحدات حماية الشعب الكردية، ويشار إلى أن 35 شخصًا على الأقل، 20 منهم أطفال، قتلوا في هذه العمليات.
فرّ نحو 1700 شخص من سوريا إلى حدود تركيا، ونصبوا الخيام على الحدود لأن السلطات التركية لم تسمح لهم بالعبور الفوري إلى أراضيها. غير أن طائرات التحالف ألقت 6 قنابل أخرى خلف المنطقة التي يتجمع فيها القرويون الهاربون يوم 1 يونيو / حزيران الجاري. ويشير البعض إلى أن الهدف من هذه العملية هو إخافة اللاجئين وضمان توجههم ناحية الحدود.
تستند وجهة نظر تركيا التي تقول: “يجري تطهير المنطقة من العرب والتركمان” إلى هذا النوع من العمليات. وقد استقبلت تركيا 1700 لاجئ سوري يوم 5 يونيو/ حزيران، أي قبل الانتخابات التشريعية بيومين. غير أن عمليات جوية وبرية مشابهة أفضت إلى بدء إخلاء القرى العربية المحيطة بكوباني.
تركيا تفكر بشكل مختلف
تراجعت عناصر داعش إلى داخل تل أبيض عقب هذه العمليات التي تضرر منها المدنيون كذلك بشكل كبير. إلا أن أنقرة لا تنظر إلى هذه التطورات على أنها طرد داعش من شمال سوريا فقط. فتركيا التي تتحرك بالتنسيق مع دول التحالف فيما يتعلق بمكافحة داعش تعتقد أن الولايات المتحدة تهدف لتأسيس منطقة كردية شمال سوريا.
ومن المفيد أن نورد في هذا الإطار التصريح الذي أدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال عودته من زيارة أجراها إلى أذربيجان؛ إذ قال: “ثمة رأي يقول إن العرب والتركمان يستهدَفون في منطقة تل أبيض. وقد عبر نحو 15 ألف عربي وتركماني يقيمون في تلك المنطقة إلى تركيا. والأماكن التي غادروها انتقل إليها عناصر من حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، وهذا ليس إشارة على الخير أبدًا. ذلك أن هذا يعني
تشكيل كيان يمكن أن يهدد حدودنا. ويجب على الجميع أن يضع نصب عينيه مخاوفنا بشأن هذا الأمر”.
700 ألف لاجئ آخر!
تفيد المصادر بأنه في حالة استمرار العمليات العسكرية وانتشارها في مختلف مناطق تل أبيض فإننا ربما نشهد موجة هجرة جديدة ربما تصل في المرحلة الأولى إلى 200 ألف شخص. وتجري الحسابات المحتملة وفق هذه المعلومات. والخطر الأكبر في هذا المقام هو انطلاق موجة هجرة من حلب التي تشهد اشتباكات بين نظام بشار الأسد وقوات المعارضة ويظهر فيها ممارسة ضغط على سكانها لإخلائها.
ويخشى من أن يتدفق أكثر من 700 ألف لاجئ سوري إلى تركيا إذا انفجرت قنبلة حلب التي تغلي على صفيح ساخن.
تدافع تركيا منذ عامين ونصف العام عن فكرة إنشاء منطقة عازلة شمال سوريا وأخذ زمام السيطرة على تلك المنطقة التي ستكون محظورة أمام الطيران من أجل الحيلولة دون استمرار موجات الهجرة ومنع تواصل المأساة الإنسانية.
لا تنظر الولايات المتحدة وأغلبية الدول الأعضاء بالتحالف الدولي بإيجابية إزاء هذا المقترح الذي يطرح اتخاذ هذا الإجراء ليس في تل أبيض فقط بل في الشمال السوري بأكمله. أما الحجج التي يقدمها التحالف لتبرير وجهة نظره هذه فهي تكلفة عملية بهذا النوع وصعوبتها. لكن الكل يعرف أن السبب الحقيقي هو الرغبة في إعادة هيكلة منطقة شمال سوريا من جديد. ولم تعطِ القوى الدولية حتى اليوم الضوء الأخضر لتركيا لكي تدفع عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي وداعش إلى الجنوب لتشكيل منطقة آمنة شمال سوريا دون الحصول على دعم. ولايزال هذا الموقف الذي يشل حركة تركيا مستمرًا.
ويعتبر هذا المطلب هو مصدر المخاطر التي أشار إليها أردوغان ورسالته بشأن “وضع مخاوف أنقرة بعين الاعتبار”.
يمكن أن نقول إن تركيا، التي لم تقف موقف المتفرج أمام هذه المأساة الإنسانية، ستصر أكثر على هذه الخطوة في المستقبل من أجل تأمين أراضيها، كما يمكننا القول إن ما ينتظره الجيش التركي من الحكومة هو إقناع التحالف الدولي بتنفيذ هذه الخطوة. لكن من الصعب أن نقول إن هذا الإصرار سيسفر عن نتيجة إيجابية لا سيما وأن تنفيذ خطوة كهذه يعني تدمير مشروع “الخط الشمالي” الذي تخطط واشنطن لتنفيذه في سوريا والعراق.
15% من القوات البرية التركية على الحدود السورية
ا
تخذ الجيش التركي تدابير واسعة النطاق على الحدود بسبب عدم الإقدام على تنفيذ هذه الخطوة منذ عامين ونصف العام. ولهذا فإن نحو 15% من القوات البرية التركية مرابطة على الحدود. ولهذا السبب لا تستوجب التطورات الأخيرة اتخاذ تدابير جديدة. ولكن حتى لو لم تستقبل تركيا تهديدات من جانب داعش ووحدات حماية الشعب الكردية حتى اليوم فقد صدرت مسبقًا جميع الأوامر التي تفرض رد الجنود الأتراك في الحال على أي إطلاق نار يأتي من الطرف المقابل. ويتحرك الجنود الأتراك في الواقع وفق هذه التعليمات منذ فترة طويلة في إطار قواعد الاشتباك.
25ألفا من عناصر وحدات حماية الشعب
يشار إلى أن هناك أقل من 10 آلاف من عناصر داعش حوصروا في المنطقة الشمالية. هذا في حين أن حزب الاتحاد الديمقراطي يمتلك نحو 10 آلاف مقاتل في كوباني و15 ألف عنصر في الجزيرة. ويمكن القول إن التطورات التي تشهدها الحدود ساخنة بما فيه الكفاية لتدفع أنقرة التي تعيش أيامًا عصيبة عقب الانتخابات البرلمانية إلى تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن من أجل أن تنجو بنفسها من النقاشات والخلافات الداخلية.
جريدة سوزجو 16/6/2015