إن محاسبة النفس والنقد الذاتي من أهم المفاهيم في تعاليم الإسلام. فمن حاسب نفسه بحث عن أخطائه وأوجه تقصيره. صحيح أن العوامل والقوى الخارجية تلعب دوراً في الإخفاق. ولكن على العموم السبب الرئيسي لهزيمة المؤمن تكون في ذاته.
تعرض حزب العدالة والتنمية لهزيمة نكراء في انتخابات 7 يونيو/ حزيران. هذا صحيح، ولكن إذا أردنا الحديث بلغة السياسة الديمقراطية فالانتخابات تشير إلى أن الحل بالدرجة الأولى يكمن في العدالة والتنمية. وهذا لا يعني أنه لا يمكن اتفاق أحزاب المعارضة الثلاثة على صيغة معينة وأن يتكون ائتلاف بينها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن محاسبة النفس والنقد الذاتي من أهم المفاهيم في تعاليم الإسلام. فمن حاسب نفسه بحث عن أخطائه وأوجه تقصيره. صحيح أن العوامل والقوى الخارجية تلعب دوراً في الإخفاق. ولكن على العموم السبب الرئيسي لهزيمة المؤمن تكون في ذاته.[/box][/one_third]تلقى العدالة والتنمية بطاقة صفراء من الناخب. ولا يمكن للعدالة والتنمية أن يستمر على هذا المنوال، فإن أصر على الاستمرار في أخطائه سيُخرج الناخب الحكم بطاقته الحمراء هذه المرة.
ما الذي يجب أن يفعله العدالة والتنمية؟
أولا: لابد من أن تكون هذه المرحلة حرجة بالنسبة للعدالة والتنمية، ويجب أن ينصت للانتقادات ويستقبلها برحابة صدر. وقد تحدثت عن 10 بنود أدت إلى الإخفاق في مقالتي التي نشرتها في 8 يونيو. ولا داعي لذكرها مجددا.
ولكن المشكلة جادة وأعمق من ذلك. فثمة حاجة إلى عقلية جامعة ونافذة من أجل تحديد المشكلة والوصول إلى جذورها العميقة. والذين يمكنهم تحديدها في الوضع الراهن لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. ويبدو أن الرئيس أردوغان -وهو في قمة الحزب وله تأثير بالغ في الحزب- بات تحت الحصار. فالبؤرة العميقة أحاطته بجدران من اللحم والعظم بحيث لا يرى ولا يحس شيئاً.
وهناك 3 طرق لتضليل وإغواء زعيم ما:
1- الإيحاء للزعيم بأن “كل ما يقوم به صحيح ويدل على الحكمة”.
2- تشجيع الزعيم على الاضطلاع بأدوار أكبر من حجمه وإمكاناته.
3- إخافته باستمرار، وتصوير حتى أصدقاءه الحقيقيين على أنهم أعداء وخونة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]بما أننا ملزمون باتباع الطرق الديمقراطية للبحث عن الأفضل، خرج حزب العدالة والتنمية باعتباره الفائز الأول في انتخابات 7 يونيو. فهو الحزب الذي انتشر في كل أنحاء تركيا كما تُظهر الخريطة الانتخابية. ولكن أيامه باتت معدودة. حيث توقف عن النمو ويحاول بث الرعب كي يتمكن من الاستمرار، فيتوعد ويهدد ويتكبر ولا يأبه بأحد ويتحول إلى الديكتاتورية وينتهك القانون لمعاقبة المعارضين.[/box][/one_third]وللأسف أردوغان ينساق وراء المجهول انطلاقاً من مثل هذه المؤامرة العقلية. وأنا أرى أن ذلك يتمّ تنفيذه ضمن برنامج عالمي. فهذه المؤامرة لا تلحق الأضرار الفادحة ببعض الجماعات والأشخاص فقط بل بالصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية في تركيا والشرق الأوسط، ومهما حاولتم إثبات العكس فالإخوان المسلمين والفلسطينيون لم يتعرضوا للأذى كما تعرضوا له في هذه المرحلة. ولم تتعرض بعض دول الشرق الأوسط للمصائب مثلما هو حالها اليوم. والعنصر المحدد في هذه السياسات التي أدت بنا إلى هذا المصير هو المبادرة والمغامرة الرامية إلى التحوّل إلى دولة مركزية في المنطقة سعياً لتحقيق بعض الأحلام الطوباوية والأحلام السياسية اقتداء بقادة “جمعية الاتحاد والترقي” في عهود الدولة العثمانية الأخيرة.
وقد عبر الجنرال (تشفيك بير) أحد ضباط انقلاب 28 فبراير 1997 العسكري عما وصلنا إليه الآن في السياسة الداخلية: “القرارات التي كانت تتخذ في مرحلة انقلاب 28 فبراير يتخذها الآن مجلس الأمن القومي في ظل حكومة العدالة والتنمية”.
فحزب العدالة والتنمية حول تركيا الحالية إلى تركيا القديمة من خلال سياسته التي نادت بتركيا الجديدة، وذلك بسبب أخطائه التي لا يقبلها العقل. وهذه قواسم مشتركة بين تركيا الجديدة وتركيا القديمة.
ففي تركيا القديمة كان هناك: مجلس الأمن القومي وأحكام وقرار الكتاب الأحمر (الدستور السري للدولة). ومجلس الشورى العسكري والاتهام بالرجعية والعتبة الانتخابية (10%). وكان الصحفيون والجرائد يتعرضون للمضايقات، وكان المعارضون يُعاقبون، وكانت بعض الصحف ممنوعة من النقل بطائرات الخطوط الجوية التركية، وكان هناك إسراف، وهدر لموارد الدولة ورشوة وفساد على نطاق واسع. وكان هناك ظلم في توزيع الدخل، وكان الفقراء بالملايين، وكانت العائلة مفككة، وكانت الحياة الأخلاقية في تدهور…الخ. وكل هذه الأمور موجودة الآن.
وبما أننا ملزمون باتباع الطرق الديمقراطية للبحث عن الأفضل، خرج حزب العدالة والتنمية باعتباره الفائز الأول في انتخابات 7 يونيو. فهو الحزب الذي انتشر في كل أنحاء تركيا كما تُظهر الخريطة الانتخابية. ولكن أيامه باتت معدودة. حيث توقف عن النمو ويحاول بث الرعب كي يتمكن من الاستمرار، فيتوعد ويهدد ويتكبر ولا يأبه بأحد ويتحول إلى الديكتاتورية وينتهك القانون لمعاقبة المعارضين، ويقوم ببعض المصادرات التي عفا عليها الزمن، ويستخدم القوة المفرطة، ويتبع أساليب الانتقام والبطش والتأديب والمعاقبة. وهذا ليس إلا التسمّم بالقوة.
وكنت قد كتبت في وقت سابق في هذا العمود مقالاً تحت عنوان “أربع رجال مؤمنون” في إشارة إلى أردوغان وعبد الله جول ونعمان كورتولموش. إن أملي يتضاءل ولكن يمكن إخضاع هذا الحزب لعملية إصلاح وتجديد وإحياء جذرية. وهناك عاملان يجب اتباعهما: طرد الشياطين بالاستعاذة، ومحاسبة النفس بحساسية المؤمن المرهف صاحب المسؤولية.
http://www.zamanarabic.com/wp-admin/media-upload.php?post_id=55276&type=image&TB_iframe=1