طورخان بوزكورت
أكدت البيانات الخاصة بالربع الأول من العام الجاري التي أعلنها معهد الإحصاء التركي بشأن الناتج المحلي الإجمالي أن “اقتصاد المنافع” الذي يتغذى على وفرة العملات الصعبة منذ 13 عامًا وصل إلى نهاية الطريق. فعملية النمو التي نظرت نظرة احتقار إلى قطاع الصناعة ولم تتعدَ تحويل الثروات إلى الأقارب من خلال قطاع الإنشاءات قد انهارت تمامًا.
لقد أظهرت بيانات النمو الخاصة بالربع الأول من العام الجاري أن حزب العدالة والتنمية رجح الطريق الأسهل كمن سبقه من الحكومات؛ إذ خدع الشعب على مدار 13 عامًا من خلال اعتماده على الضرائب المفروضة على الواردات والاستهلاك.
ولم يقطع حزب العدالة والتنمية على مدار فترة حكمه أية مسافة تذكر في مجالي التوظيف والتنمية التي تزيد من موارد الدخل. وحتى الانخفاض الذي طرأ على معدلات التضخم تحقق بفضل تراجع أسعار صرف العملات الأجنبية.
لم يبق أمام مجلس المصدِّرين الأتراك أية حِجّة بعدما كان يشتكي من ارتفاع قيمة الليرة التركية، إذ إنه بالرغم من ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي فإن الصادرات لم تسهم في نمو الاقتصاد.
لاشك في أن النمو الذي يركز على الوردات والاستهلاك كذبة كبيرة. فبينما كانت تركيا تنمو أصبحت أفقر بواقع 13.5 مليار دولار. فلو كان يمكن لأحد أن يطلق اسم التنمية على تراجع نصيب الفرد من الدخل القومي بواقع 176 دولارًا فهذا يعني أن الاقتصاد التركي قد نما بالفعل!
إن تركيا اليوم بعيدة كل البعد عن الوعد الذي قدمه حزب العدالة والتنمية عام 2011 بجعل حجم الاقتصاد يبلغ تريليونا و75 مليار دولار. ولو استمر الوضع على ما هو عليه اليوم فسينخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى 750 مليار دولار، وسنرضى بأن يكون نصيب الفرد من الدخل القومي 9 آلاف و700 دولار، ناهيك أصلًا عن أن يتخطى هذا الرقم عتبة عشرة آلاف دولار.
لقد سقط قطاع الإنشاءات في الهاوية التي ستتسع كلما ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية.
إن تركيا بحاجة إلى نموذج تنموي جديد بعدما فشل حزب العدالة والتنمية في إخراجها من “مصيدة” الدخل المتوسط على مدار 13 عامًا قضاها في السلطة. أما نموذج النمو “الخالي من الهرمونات” فلا يمكن تحقيقه إلا من خلال حكومة ائتلاف واسع المشاركة.
لقد خسر أولئك المقربون من الحكومة الذين حاولوا تقديم نموذج الحكومة الائتلافية وكأنه شبح مخيف. ووصلت الأسواق إلى المستويات التي أُخرت بأمر الحكومة قبل إجراء الانتخابات.
إن رسالة الإرادة الوطنية للشعب التركي تُلزِم الأحزاب الأربعة التي دخلت البرلمان. ويجب على أحزاب الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي أن يجبروا الحزب الحاكم على قبول حكومة اتفاق لا إجراء انتخابات مبكرة؛ إذ إنهم لن يحصلوا على الدعم نفسه إذا أجريت انتخابات جديدة دون أن تتغير الظروف الحالية، فأضرحة السياسة مليئة بلافتات الأحزاب التي لم تهتم بترجيحات الناخبين.
لو لجأ حزب العدالة والتنمية إلى تطبيق تكتيك عدم السماح بتشكيل الحكومة خلال 45 يومًا من انعقاد ديوان رئاسة البرلمان فإنه سيخسر في الانتخابات المبكرة.
إن الرسالة التي أوصلها الشعب التركي يوم 7 يونيو / حزيران الجاري واضحة وصريحة: تصالحوا، شكِّلوا حكومة إصلاح، وليلزم كل شخص حدوده القانونية، لتنتهي الضغوط الممارسة على وسائل الإعلام، اضمنوا العودة إلى الديمقراطية والقانون.
وإذا انتقلنا بالحديث عن الدرس الأساسي الذي يجب أن نستخلصه من البيانات التي أعلنها معهد الإحصاء التركي فهو: لقد انهارت الأبراج المصنوعة من الورق التي تبدو من بعيد رائعة ومتميزة فورًا عندما هبت رياح الدولار بشكل خفيف من الجهة المعاكسة. فإعصار البنك المركزي الأمريكي لم يصل بعد إلى حدود تركيا.
لن يكون هناك طائل من وراء انتظار الإصلاح ممن أنشأوا هذه الأبراج المهدمة. ولن يكون ممكنًا أن يضع حزب سياسي بمفرده نموذجًا تنمويًا جديدًا يمتلك واجهة اقتصادية وسياسية قوية. وربما ننجح في تحريك رأس المال البشري الذي أقصاه حزب العدالة والتنمية من خلال تعدد الأصوات.
على الشعب التركي ألا يفوِّت فرصة “ائتلاف الإصلاح” الذي أخرجته صناديق الاقتراع من أجل إنجاز عملية نمو مرتكزة إلى التنمية الحقيقية.