محمد كاميش
خسر حزب العدالة والتنمية الذي خاض غمار سباق الانتخابات البرلمانية التي أجريت في تركيا أمس مدعوما بقوة جميع المؤسسات العامة والحكومية ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وقنوات تي أر تي (TRT) الرسمية ووكالة أنباء الأناضول والسلك القضائي فضلاً عن استخدام إمكانيات الدولة والمساعدات التي وعدت بها والرشاوى والإعلام الخاص الذي سيطر عليه فأصبح على شاكلته المبنية على الأكاذيب والافتراءات حيث تراجعت أصواته بنسبة 10 % على الرغم من كل ما ذكر.
فالرئيس أردوغان، الذي أقسم بشرفه وعرضه على أن يكون على الحياد، انتهك كل القيم ليقود 3 حملات انتخابية كل يوم ليطالب علناً بالتصويت لصالح الحزب الحاكم، ورغم ذلك هُزم حزبه. وإن سياسة الاستقطاب التي يلجأ إليها أردوغان في كل انتخابات تسببت هذه المرة في انتباه الشعب والتصرف بوعي وحنكة نادرين.
إنه وعي جعل كل واحد يهتم بصوته كمن يهتم بجوهرة يملكها. حيث إن الادعاءات الواردة حول وقوع تلاعب في نتائج الانتخابات السابقة والتي باتت ظاهرة ومعلومة للقاصي والداني لعبت دوراً إيجابياً في ظهور شعور بالمسؤولية لدى المجتمع والأحزاب. إذ حصل عشرات الآلاف من الناس على دورات تأهيلية طواعية وعُقدت ندوات للتدريب على منع هذا النوع من التلاعب مرة أخرى. فأصبح المجتمع واعياً تجاه السرقات فأخذوا احتياطاتهم تحسباً لأية عملية سرقة أو احتيال قد تحدث. ومع كل ذلك، فهم لا يؤكدون عدم حدوث السرقة في صناديق الاقتراع. وهذه مسألة أخرى.
وما هذه النتائج إلا دلالة على بداية النهاية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية. فانتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015 ستدخل التاريخ لأنها أول انتخابات أدرك فيه الشعب أن الحزب الحاكم حوّل كل السلطات والصلاحيات التي منحوها إياه إلى أداة للإثراء والكسب الشخصي والتبجّح والتدلّل. ولا أظن أن هذا الحزب سيستخلص درساً من هذه الهزيمة. فقد انغمسوا في وحل الخطايا حتى إنهم لم يعودوا قادرين على النقد الذاتي ورؤية أخطائهم على ما يبدو. ومن السذاجة أن نظن بأن الشخص الذي انتهك الدستور وارتكب الجرائم وظلم الناس من خلال أوامره التي وجهها إلى القضاء سيراجع نفسه ويلتفت إلى الناس قائلاً “أين أخطأنا؟”.
وعلينا ألا ننسى أن أساس هذا القدر من الصراع والتوتر هو سلوك طرق خاطئة على الرغم من كل التحذيرات. وإن الأصوات التي حصل عليها العدالة والتنمية بنسبة 40 % ليست كلها لأردوغان، إلا أن 60% من الأصوات التي خسرها العدالة والتنمية كلها بسبب أردوغان. إذن فقد أصبح منصب رئيس الجمهورية مفتوحاً للنقاش من الآن فصاعداً. لأن أردوغان هو من وضع استراتيجيات العدالة والتنمية في الانتخابات وسياسة الاستقطاب عبر قيادة حملات انتخابية لمطالبة الشعب بالتصويت لصالح العدالة والتنمية.
وهذه الانتخابات أنهت النقاشات الدائرة حول “النظام” في تركيا وأزالت خطر الانقسام. لأن حزب الشعوب الديمقراطية الكردي تخطى العتبة الانتخابية بحصوله على الأصوات من المدن الكبرى والمناطق الغربية في تركيا. والأهم من كل ذلك هو أن حزب الشعوب الديمقراطية على علم بذلك. إذ أعلن زعيم الحزب صلاح الدين دميرطاش في كلمته مساء أمس أنه لن يخون هذه “الأصوات المستعارة” ولن يخجل أصحابها. وإنه سينتهج سياسة منطقية سليمة على الدوام. وهذه الانتخابات أبرزت بصورة جلية أن حزب الشعوب الديمقراطية بات حزباً لكل تركيا.
إن تركيا هي التي فازت في هذه الانتخابات، وأردوغان هو الذي خسر خسراناً مبيناً.