عمر نور الدين
لم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتخيل قبل ست سنوات وهو يصيح، في حركة استعراضية، في وجه مدير إحدى الندوات التي جمعته مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وآخرين في منتدى دافوس قائلا:” One minute” ، مطالبا بمزيد من الوقت للرد على بيريز حيث كانت إسرائيل في ذلك الوقت من بدايات العام 2009 تشن حربا غاشمة على قطاع غزة، كالمعتاد، أن الشعب التركي سيدرك يوما أن هذا الموقف لم يكن إلا واحدا من كثير من المواقف التي استغله فيها أردوغان من أجل حصد مزيد من أصوات في الانتخابات، بدعوى أنه نصير غزة والقضية الفلسطينية والصوت الأعلى المعبر عنهما في العالم، ولعله لم يكن يتخيل أيضا أنه سيأتي اليوم الذي يقول له الشعب التركي فيه: ” “One minute.
وبغض النظر عما تكشف بعد كل هذه السنوات من أن كل صراخ أردوغان وضجيجه حول غزة والقضية الفلسطينية، لم يكن إلا جعجعة بغير طحن، ولم يكن إلا توظيفا لأكبر مآسي المنطقة والعالم الإسلامي لأغراض سياسية من أجل تعزيز سلطته، بعدما تبين من حجم التعاون بين تركيا تحت قيادة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان مع إسرائيل، وبعد افتضاح أمر المساعدات المزعومة من تركيا لأهل غزة الذين يعيشون مأساة حقيقة وأنها لم تكن إلا مجرد تعهدات أمام الكاميرات، فإن ما يقوله الشعب التركي اليوم قبل أيام قليلة جدا من الانتخابات البرلمانية التي تشهدها تركيا الأحد المقبل هو ترجمة عميقة لتراكمات هذه السياسة وهذا الأسلوب الدعائي الذي قام على تغييب عقول الناس تحت ستار نصرة المظلومين والخطاب الإيدولوجي الضيق الذي يداري خلفه استقطابا وعداء وكراهية وتضييقا على كل من لا يقدم فروض الولاء والطاعة للحاكم الأوحد الذي يسعى للانفراد بكل شئ.
بحسب استطلاعات الرأي التي تقيس نبض الشارع التركي قبل الانتخابات البرلمانية، فإن حزب العدالة والتنمية لن يخرج فائزا، ككل مرة بالانتخابات البرلمانية، التي كان أردوغان يعول عليها هذه المرة من أجل تغيير الدستور لتفصيل نظام رئاسي على مقاسه، وعلى الرغم من تخليه عن القسم واليمين الدستورية التي أداها عقب فوزه بانتخابات الرئاسة في أغسطس / آب الماضي، وانتهاكه لمبدأ حيادية الرئيس الذي يفرضه الدستور التركي، ونزوله إلى ميادين الانتخابات كما لو كان رئيسا لحزب العدالة والتنمية.
على الرغم من هذا الجهد المضاعف والإمكانيات المضاعفة والموارد المضاعفة التي تم تخصيصها لحملات العدالة والتنمية الانتخابية سواء التي يقوم بها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، تحت ستار تقديم الشكر للشعب على انتخابه رئيسا للجمهورية وافتتاح مشروعات جديدة، ليست جديدة تماما في الأساس، أو تلك التي يقوم بها رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو بوصفه رئيسا للحزب ورئيسا للوزراء، فإن استطلاعات الرأي أظهرت أن النسبة التي سيحصل عليها العدالة والتنمية تتراوح ما بين 38.9% بحسب أقل استطلاع و43.8% بحسب أعلى استطلاع، أي أن الحزب سيحصل في المتوسط، بحسب الاستطلاعات على 41%، وهذه خسارة كبيرة لأردوغان أولا.
ربما يكون أردوغان نجح، بمهارته الانتخابية المعروفة، في أن يضمن نجاح الحزب في الانتخابات المحلية في نهاية مارس/ آذار 2014 في أعقاب فضيحة الفساد والرشوة لكبرى التي طالت أردوغان وحكومته والمقربين منه في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، وكذلك في الانتخابات الرئاسية في أغسطس/ آب الماضي، اعتمادا على آلة دعاية ضخمة لاتتوقف عن ترويج الأكاذيب ليل نهار، لكن يبدو أن الشعب التركي لم يكن من داخله راضيا عما يحدث، لاسيما بعد أن ازدادت نزعة الاستبداد والديكتاتورية والغرور لدى العدالة والتنمية، ودفعه الشعب إلى حالة من الرعب والخوف من خلال التنكيل بكل من يتحدث عن أعمال الفساد التي ألقت البلاد فيما بعد في طريق أزمة اقتصادية تتفاقم يوما بعد يوم بسبب تداعياتها على مناخ الاستثمار في البلاد فضلا عن السياسة الخارجية الخاطئة التي عزلت تركيا وقطعت عنها كل طرق التجارة وفرص العمل التي كانت تحظى بها شركاتها في الدول العربية المجاورة والقريبة.. باتت الصناديق التي لطالما تحدث عنها أردوغان على بعد ساعات،وستفتح اللجان الانتخابية أبوابها يوم الأحد المقبل، لكن هذه الصناديق تبدو هذه المرة مصدر هلع.. فأردوغان وحزب العدالة والتنمية لا يشعران بالثقة نفسها التي كانا يتحدثان بها قبل كل انتخابات.. فحتى لو جاء الحزب في المرتبة الأولى كما هو متوقع ومنطقي أيضا، فإن الأمور في تركيا ستختلف كثيرا، لأنه يبدو أن الشعب التركي قرر أن يقول لأردوغان:” One minute”.