من أولف ليسنج
طرابلس أول يونيو حزيران (رويترز) – تتداعى المالية العامة
لليبيا تحت وطأة هبوط حاد لعائدات تصدير النفط فاقم منه صراع على
السلطة بين حكومتين متنافستين.
ودفعت الأزمة السلطات في طرابلس التي تسيطر على الكثير من
أجزاء غرب ليبيا إلى التخطيط لخفض دعم البنزين وتأخير مدفوعات
رواتب الموظفين العموميين وفرض حظر على الواردات من السيارات إلى
الصلب.
واضطرت الأزمة بالفعل المصرف المركزي الذي يتخذ موقفا دقيقا
بين الحكومتين المتنافستين ويمول البلاد بالكامل إلى الافراط في
السحب من احتياطياته من النقد الأجنبي. وتحتاج ليبيا إلى 30 مليار
دولار لتمويل الواردات سنويا وتنفق في العادة 40 مليار دولار على
ميزانيتها.
وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا برنادينو ليون الذي
يسعى لإنهاء الصراع على السلطة بين الحكومتين الأسبوع الماضي إن
“ليبيا على حافة الانهيار الاقتصادي والمالي.”
ومنذ العام الماضي جمد المصرف المركزي مشروعات البنية التحتية
وقيد الإنفاق على المرتبات الأساسية للموظفين العموميين ودعم
الغذاء والوقود.
وجعل هذا موظفي الخدمة المدنية وهم أكبر قوة عاملة في ليبيا
يقولون الآن إنهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهرين على الأقل
ويتهمون المصرف المركزي بعدم منح البنوك المحلية السيولة الكافية
لإصدار شيكات الرواتب.
وقال العقيد محمد أبو بردة مساعد مدير ادارة الهجرة غير
الشرعية في وزارة الداخلية في طرابلس “ليس لدينا ميزانية. وأنا
(مساعد) مدير الإدارة ولكن ما الفائدة؟ الرواتب؟ لا شيء. هناك
تأخيرات في كل مكان.”
وقد تضرر الاقتصاد اساسا من ناحيتين. فالدينار الليبي فقد 35
في المائة من قيمته مقابل الدولار منذ يناير كانون الثاني وحده.
وفي الوقت نفسه انخفض إنتاج النفط إلى 400 ألف برميل يوميا أو ربع
ما كان عليه قبل الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي في عام 2011.
وقال حسني بي وهو رئيس واحدة من أكبر الشركات الخاصة في البلاد
ومن أكبر المستوردين إن عائدات ليبيا من تصدير النفط بلغت 5.5
مليار دولار فحسب حتى الآن هذا العام إذ تسبب الصراع بين الفصائل
المتنافسة وهجمات تنظيم الدولة الإسلامية في إغلاق حقول ومرافيء
نفط رئيسية. واستدرك بقوله إن البلاد تحتاج إلى 3.5 مليار دولار كل
شهر.
وتتخذ حكومة رئيس الوزراء عبد الله الثني المعترف بها دوليا من
مدينة البيضاء الشرقية مقرا بينما يستخدم البرلمان قاعدة بحرية في
طبرق كمقر.
وعلى بعد 1200 كيلومتر إلى الغرب سيطر فصيل منافس من مصراتة
ومناطق غربية أخرى يطلق عليه فجر ليبيا على طرابلس في أغسطس آب
الماضي وأعاد مجلسا تشريعيا سابقا ليعمل كبرلمان بديل.
وحظرت هذه الحكومة في الآونة الأخيرة استيراد 32 سلعة لمدة ستة
أشهر. وتشمل القائمة كل شيء من السيارات والسجاد إلى مواد البناء
مثل الاسمنت وكذلك العصائر ومشروبات الطاقة بل ومعجون هريسة الفلفل
الحارة وهو نوع من المقبلات يولع به الليبيون.
ولكن الحظر فشل حتى الآن في وقف هبوط الدينار الذي سجل مزيدا
من التراجع هذا الأسبوع في السوق السوداء إذ أقبل الناس على شراء
الأغذية استعدادا لشهر الصيام الذي يبدأ في منتصف يونيو حزيران.
وتستورد ليبيا معظم احتياجاتها من الغذاء.
ويبلغ سعر الدولار الآن 2.17 دينار في السوق الموازية
بالمقارنة مع السعر الرسمي البالغ 1.3 دينار.
وينفذ كثير من عمليات تمويل الواردات في ليبيا عبر طرابلس حيث
توجد مقار البنوك حتى لاستيراد السلع التي تسلم إلى الموانئ
الشرقية. ولا تعرض البنوك في مدينة بنغازي الشرقية الرئيسية إلا
خدمات محدودة وتعاني نقص السيولة لأن المدينة منطقة حرب.
وقال رجل الأعمال حسني بي “خفض قيمة العملة ضرورة سواء آجلا أو
عاجلا.” وأضاف ان سعر الصرف الأكثر واقعية سيكون 2.5 دينار.
واضاف قوله ان الحظر سيوفر ملياري دولار سنويا من تمويل
الواردات لكنه سيصيب بالشلل صناعة البناء التي تشكل 65 في المائة
من الأعمال الخاصة في البلاد.
وبالمثل يوجد تحرك لإلغاء الدعم عن البنزين والغذاء واستبداله
بتقديم دعم نقدي لليبيين وهو ما يعد مساسا بنظام أقامه القذافي
لشراء الولاء.
وقد حاولت عدة حكومات تغيير نظام الدعم الذي يلتهم ثلث
الميزانية في حين أن الكثير من الوقود والأغذية الرخيصة يجري
تهريبها إلى الخارج. لكن الأمر انتهى بتلك الحكومات إلى الإحجام عن
الاقتراب من نظام الدعم خوفا من الضغوط من الفصائل المسلحة.
وقال اليكس وارن من مجموعة فرونتيير الاستشارية التي تدير
الموقع الإلكتروني ليبيا ريبورت إن “حقيقة أن السلطات التي يوجد
مقرها في طرابلس تفكر الآن في إصلاح الدعم هي مؤشر على مدى التراجع
الذي أصاب الأوضاع المالية حتى بمعايير العامين المنصرمين.”
واستدرك قائلا “ولكن يمكن القول ان الدعم هو آخر شيء يمكن
التفكير في خفضه بالنظر إلى اعتبارات الاستقرار الاجتماعي.”
(إعداد محمد عبد العال للنشرة العربية – تحرير عماد عمر)