مصطفى أونال
صارت تركيا تركز اهتمامها على نسبة التصويت التي سيحصل عليها حزبان اثنان فقط. بل على حزب واحد. والناس في تركيا منشغلون بعدد النواب الذي سيحصل عليه حزب واحد فقط وهو حزب العدالة والتنمية. فهل سيتمكن هذا الحزب من تشكيل الحكومة بمفرده مرة أخرى؟ أو سيدخل البلاد في مرحلة جديدة؟ بدأ العد التنازلي لموعد الإدلاء بالأصوات. نحن في الأسبوع الأخير قبل موعد الانتخابات. ستلقي الأحزاب آخر ما تبقى في حوزتها من الأحجار في الحملات الانتخابية في الأيام القليلة المتبقية.
لا شك في أن حزب العدالة والتنمية سيكون الأول من حيث عدد النواب في هذه الانتخابات أيضا. ولكن السياسة أمر خطير، فالصناديق لا تحتمل المزاح. فقد يتعرض حزب لهزيمة نكراء من حيث ينتظر الفوز المطلق، فهناك أمثلة كثيرة على ذلك في التاريخ السياسي في تركيا. ولو سلمنا جدلا بأن العدالة والتنمية فاز بالمرتبة الأولى فهل سيكون عدد نوابه كافيا لتشكيل الحكومة بمفرده؟ وهل سيحظى بـالحصول على 276 مقعدا؟
المؤشرات تشير إلى تراجع بالنسبة للعدالة والتنمية، فاستطلاعات الرأي وأجواء الشارع التركي ليست في صالحه. فالرياح حاليا تهب في عكس التيار بالنسبة له بعد أن كانت تهب في صالحه من قبل. وهذه الرياح التي تهب بما لا تشتهيه سفينة العدالة والتنمية شديدة للغاية. وليس من السهل البت في نتائج هذه الرياح المعاكسة والتعبير عنها بالأرقام. ويبدو أن الشعب سيلقنه درسا مهما هذه المرة. فأحد أعضاء العدالة والتنمية قال: “إن الشعب رفع يديه ليصفعنا وأرجو ألا تكون صفعته شديدة” وهذه جملة قصيرة ولكنها تلخص الأجواء.
إن حزب العدالة والتنمية يشعر بهذا الخوف. ولذلك قام بتصغير أهدافه، فحل الخوف والقلق مكان الحماس. وهذا ما انعكس على الصحف. ويكاد خوفهم هذا يتحول إلى رعب. وهناك كثير من الأشياء التي سيخسرها حزب العدالة والتنمية ومناصريه. وإن الخسارة لن تكون في الانتخابات فقط. حيث سينقطع الدعم الإعلامي. وستعود الديمقراطية والقانون. ولن يغنم أحد بما كسبه بطرق غير قانونية، وإن تلك قاعدة الحياة قبل أن تكون قاعدة الديمقراطية أيضا. وأصبح الفوز بـ 400 مقعد لتغيير الدستور وفرض النظام الرئاسي مجرد حلم. ولم يعد الحديث يدور حول النظام الرئاسي كما ينبغي في الحملات الانتخابية. حيث ذكر داود أوغلو بعض الجمل بطريقة تُظهر عدم رغبته في النظام الرئاسي. فأردوغان وحده هو الذي يتحدث عنه. وهو يرغب بذلك لمصلحته الشخصية، ولذلك ترك الوقار في كلامه ولم يعد كما كان في السابق حيث زال السحر والتأثير اللذان كانا في كلامه. وبات من الصعب أن يحقق الحزب الحد الأدنى لتشكيل الحكومة بمفرده وهو 330 نائبا. وليس من الصعب أن نقول إن تغيير الدستور وتطبيق النظام الرئاسي قد تم تأجيلهما إلى ربيع آخر.
وقد بات هدف العدالة والتنمية هو أن يكون له في البرلمان 276 نائبا على الأقل، وبعبارة أخرى الاستمرار بحكومة الحزب الواحد. والحديث عن الحكومة الائتلافية ليس عن عبث. وهنا يبرز دور حزب الشعوب الديمقراطية. فثمة فارق كبير بين تخطيه العتبة الانتخابية وعدم تخطيها. فالأمر خطير، وعلى ضوء ذلك ستتشكل اللوحة السياسية. حيث إن المتوقع أن يحصل على ما بين 9و12% من الأصوات والحد الأدنى لتخطي العتبة الانتخابية هو 10%. فإن بقي حزب الشعوب الديمقراطية دون العتبة الانتخابية فالمستفيد الأكبر منه سيكون حزب العدالة والتنمية. ومع ذلك سيبقى تغيير الدستور صعبا. ولكن قد يتمكن في تلك الحالة من الانفراد بتشكيل الحكومة. ولكن إذا تخطى حزب الشعوب الديمقراطية العتبة الانتخابية 10% فينبغي على العدالة والتنمية أن يحصل على نسبة 45% أو أكثر من المقاعد في البرلمان وإلا لن يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده.
وهذا هو سبب تركيز السيناريوهات على هذين الحزبين حيث إن حزب الشعوب الديمقراطية هو الذي بات قدر العدالة والتنمية وقدر السياسة مرتبطا به.
حسنا، هل بإمكان الشعوب الديمقراطية تخطي العتبة الانتخابية؟
من المؤكد أنه هو الحزب الذي استفاد أكثر من المرحلة الانتخابية. فأداء رئيسه المشارك صلاح الدين دميرطاش ملفت للنظر. وليس من المستبعد أن يتخطى حزبه العتبة الانتخابية. وهذا هو سبب استهداف العدالة والتنمية لهذا الحزب. فبالأمس تحدث الرئيس أردوغان ونسي لزوم بقائه على الحياد وقال: “لسنا نحن من رشح مفتيا في ديار بكر وشاذا جنسيا في أسكيشهير ملمحا إلى مرشحي الشعوب الديمقراطية”
من المعلوم طبعا من الذي يقصده بقوله “نحن”. فالكل كان يفهم مقصده طوال هذه الفترة ولكنه تكلم هذه المرة بشكل أوضح حين قال “نحن” أي العدالة والتنمية. إذ لا بد لرئيس الجمهورية أن يكون حياديا تماما وأن يقف على مسافة واحدة من الأحزاب كلها. وهذا ما ينص عليه الدستور. فالسلوك السياسي أو الحزبي يعد جرما بالنسبة لرئيس الجمهورية من الناحية الدستورية. وإن سبب تصرف أردوغان بهذه الطريقة هو علمه بأن الوضع يميل لمصلحة الشعوب الديمقراطية على حساب العدالة والتنمية.