مصطفى أونال
أظن أنني أعرف داود أوغلو معرفة لا بأس بها. لقد تشاركت معه نفس الأماكن من وقت لآخر. لكنني رغم ذلك أجد صعوبة في الإجابة عن السؤال: “ما الذي حدث له”؟ فلم يبق فيه أثر مما ألفنا عليه وقتما كان وزيرا للخارجية أو في أيامه التي كان فيها أكاديميا. وقد صار صوته منفرا. وهو بعيد عن جذب العواطف. ولا يمكن أن نقول إنه يقلد أردوغان بل ظهر داود أوغلو جديد. نعم إنه مدين لأردوغان بتوليه منصب رئاسة الوزراء، لأنه لم يُنتخب بل عُين تعيينا من قبل أردوغان.
من المعتاد عليه في هذه البلاد أن يرتفع ضغط السياسة في المراحل الانتخابية. وتزداد الحملات في الساحات. وهذا أمر طبيعي. ويكون أسلوب الزعماء قاسيا وأحيانا يكون مبالغا فيه. وأهل السياسة والمجتمع لا ينكرون ذلك ويحملونها على طبيعة أجواء الانتخابات المتوترة. ثم يتم نسيان كل شيئ بعد انقضاء يوم الانتخابات. لكن طريقة خطاب داود أوغلو لا يشبه أسلوب الخطابات الانتخابية التقليدية. وأمامنا ثمة أمر آخر لا مثيل له في السياسة التركية. وأنا أجد صعوبة في تسميته. فقد ارتفعت حدة الانتقادات التي وجهتها أحزاب المعارضة للحكومة. ومن الطبيعي أن تحاول أحزاب المعارضة تقليل نسبة أصوات العدالة والتنمية. ولا داعي للاستغراب. فأحيانا يكون الأمر جادا وأحيانا يكون مزاحا. ففي خطابه الذي ألقاه في مانيسا قال إن الأحزاب السياسية سوى حزبه بما فيها حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطية غير قانونية في مظهر قانوني، راميا بذلك إلى أن كل الأحزاب فيما عدا العدالة والتنمية هي أحزاب غير مشروعة. فهم وحدهم يشكلون الحركة السياسية المشروعة في البلاد. فما هذه العقلية؟ ولا علاقة لهذه العقلية بالتنافس بين الحكومة والمعارضة. إنها مثل عقلية حزب البعث. فهكذا كانت نظرة الأسد وصدام لكل الأحزاب ما عدا حزب البعث.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من المعتاد عليه في هذه البلاد أن يرتفع ضغط السياسة في المراحل الانتخابية. وتزداد الحملات في الساحات. وهذا أمر طبيعي. ويكون أسلوب الزعماء قاسيا وأحيانا يكون مبالغا فيه. وأهل السياسة والمجتمع لا ينكرون ذلك ويحملونها على طبيعة أجواء الانتخابات المتوترة. ثم يتم نسيان كل شيئ بعد انقضاء يوم الانتخابات. لكن طريقة خطاب داود أوغلو لا يشبه أسلوب الخطابات الانتخابية التقليدية. [/box][/one_third]فهو يتحدث عن مثلث “الكيان الموازي وجبال قنديل وجبهة حزب التحرير الشعبي الثوري”. ولا يغفل عن تكوين علاقة فيما بينها. فقليلا من الضمير والمنطق والموضوعية. إن الحقيقة تصدم الإنسان، ولا يعقل أن ينحرف الإنسان عن الرشد إلى هذا الحد. فلو نظر داود أوغلو إلى المرآة لرأى نفسه شبيها بالبعث وداعش. أليس له أي صديق يرشده إلى الحقيقة وينبِّهه ليعود إلى صوابه.
وفوق ذلك ينتقد الحوار الذي أجرته جريدة” زمان” مع زعيمي المعارضة كمال كليتشداراوغلو ودولت بهشلي. وقال: “زعيم القوميين اليساريين كليتشدار اوغلو يلتقي بأناس من الكيان الموازي. ويزور جريدتهم”. صحيح أننا التقينا بكليتشداراوغلو ولكن ليس في الجريدة. وماذا لو زار الجريدة. ونحن كتبنا أننا كنا ضيوفه. لنفترض أن المعلومة الأولى التي ذكرها كانت خاطئة أو زلة لسان. ولكن ادعاءه بمجيئ كليتشدداراوغلو إلى الجريدة كذب. والله إنه لكذب. فلو أنه قرأ الخبر أو ما كتب عنه لما وقع في هذا الخطأ. فويل للبلد الذي ليست لرئيس وزرائه امكانية لمعرفة مكان هذا اللقاء المكشوف.
وما الذي يمكن أن يقال في استمراره بالكذب؟ ولا يمكن للكذب أن يتحول إلى حقيقة ولو كرره صاحبه مئة مرة في حملاته الانتخابية. صحيح أن جوبلز Goebbels وزير دعاية هتلر النازي قال: “يمكنكم إقناع الشعب بالكذب من خلال تكراره”. لكنه قال ذلك في أربعينيات القرن الماضي. ونحن الآن في عام 2015 وفي عصر التكنولوجيا والمعرفة. فالكذب يُكشف فورا. فسجل داود أوغلو ليس نظيفا في هذا المجال. فقد نفى الرئيس السابق عبد الله جول منذ أسابيع ما قاله حول زيارته لبنسلفانيا. والكذب لا يفيده هو ولا حزبه من الناحية السياسية. فمن قال ما يحلو له سمع ما لا يحلو له. فإن اتهمت الجميع بعدم المشروعية فيحق لغيرك أن يخرج ليقول فيك: “الذي يظن نفسه رئيسا للوزراء” أو “الذي يبدو في صورة رئيس الوزراء” وتسمع ما لا يحلو لك.
ليس من الصعب أن يفهم الناس أنه يتصرف ويتحدث بهذا الأسلوب ليصل إلى أهدافه السياسية. ولكن لا يمكن له إنقاذ منصبه والمحافظة عليه بهذه الطريقة. فليس هناك من يؤيده لا في الشعب ولا في القصر. وقد يكون سمع ما يقال عنه في أعالي القيادة “إنه يزأر كالفأر”. وهو في وضع جد حرج مهما كانت نتيجة الانتخابات.
فهل كان كل هذا الانحراف عن المروءة من أجل الحفاظ على كرسي رئاسة الحكومة؟ يالها من خيبة!