شاهين ألباي
داوداوغلو الذي يبدو أنه ربط حياته السياسية بالتنافس على نيل رضاء الرئيس أردوغان لم يكتفِ في مدينة إزمير بتكرار سفسطة الكيان الموازي فقط بل أعلن أن حركة الخدمة تنظيم إرهابي وغير قانوني.
وبلغ الأمر بمطاردة الساحرات أن طال الجمعيات الخيرية والتجار الذين ينشطون في الأعمال الخيرية. وقد كان رئيس تحرير صحيفة زمان التركية أكرم دومانلي محقا كل الحق فيما قاله عن حكومة العدالة والتنمية: “إن التكبر بارز عليكم في كل تصرفاتكم وقد أسركم حب السلطة كما أنكم تناسيتم الحق والحقيقة منذ زمن بعيد. فبعد كل ما اقترفتم من المظالم وجرحتم من الخواطر لن يجديكم نجاحكم ولو ألف مرة في الانتخابات. لأنكم مثل جميع الظالمين مهزومون ولو فزتم في الانتخابات”.
ولو تساءلتم ما هو سر عداء أردوغان وحكومته لحركة الخدمة؟ فإنني أظن أن الجواب الذي يُجمع عليه المواطنون في تركيا هو: “أن رجال الأمن والقضاء الذين حققوا في أكبر عمليات رشوة وفساد في تاريخ تركيا في 17-25 ديسمبر 2013 كانوا منتمين لحركة الخدمة. وهذا هو سبب الحقد على حركة الخدمة”.
وهذه هي الأسئلة التي يجب توجيهها للمواطنين: ألم يتبين بما فيه الكفاية أن رجال الأمن والقضاء الذين حققوا في عمليات الفساد والرشوة في 17-25 ديسمبر ينتمون لتوجهات سياسية مختلفة؟ وحتى لو كان بعضهم مقربا من حركة الخدمة كان دافعهم المشترك هو تطبيق القانون وما تفرضه الأخلاق وأداء مهامهم القانونية؟
ولنفترض جدلا أن المقربين لحركة الخدمة وحدهم هم الذين حققوا في عمليات الفساد 17و25 ديسمبر وبتعليمات من الأستاذ فتح الله كولن. فهل هذا كاف لوصف كل من يحبون حركة الخدمة بأنهم أعضاء تنظيم
إرهابي غير مشروع؟
لا بالطبع. إذن فما هو المسوغ الذي يستند إليه حزب العدالة والتنمية لوصف حركة الخدمة بالإرهاب؟ إن مسوغه في ذلك هو أن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات فحسب. بل هي دولة القانون وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين وحرياتهم. ولتحقيق ذلك يجب أن تكون هناك محاكم مستقلة عن الحكومة وإعلام مستقل، وربما الأهم من ذلك كله هو مؤسسات المجتمع المدني المستقلة المكونة من الوحدات الطوعية.
القاسم المشترك بين أصحاب السلطة في الأنظمة الاستبدادية هو عدم تحملهم لوجود مجتمع مدني قوي. وقد يكون التعليم هو أقوى عناصر المجتمع المدني في تركيا. وحركة الخدمة هي التي نشرت الجمعيات الخيرية الاجتماعية والإعلامية والشركات الاقتصادية. فلاشك في أن حركة الخدمة هي أعرق المنظمات المدنية في تركيا وهي لا تقتصر على تقاليد الطرق الصوفية والجماعات الدينية فقط. بل تجاوزت كونها جماعة دينية لتغدو مجتمعا مدنيا قائما على الأسس الإيمانية، لتنطلق بعد ذلك لخطاب الإنسانية بأكملها والاستناد إلى القيم الإنسانية العالمية، وبالتالي أصبحت هذه الحركة عبارة عن مجتمع مدني عالمي.
فالمتشددون من الإسلاميين والعلمانيين والمستبدين الماركسيين قد لا يدركون ذلك. ولذلك فإن حكومة أردوغان في حربها ضد حركة الخدمة لم تجد صعوبة في نيل الدعم من هؤلاء أو إقناعهم بالصمت.
وهذه هي الحقيقة التي ستتضح مع مرور الزمن بالنسبة للذين يبحثون عن إجابة للسؤال: “لماذا تخلت بعض أطياف المجتمع عن الوقوف مع حركة الخدمة وتركوها وحدها في مواجهة هذه المظالم؟” وقد تكون هذه الحقيقة بدأت بالظهور لبعضهم شيئا فشيئا.
وفي الدورتين الأولى والثانية من حكم العدالة والتنمية كانت حركة الخدمة سباقة لمنح الدعم للحكومة لأن الأمل كان معقودا عليها في هزيمة الوصاية العسكرية وترسيخ الديمقراطية ودولة القانون وحماية الحقوق الأساسية والحريات، وإنهاء الظلم الذي كان يتعرض له المواطنون المتدينون في تنفيذ الأوامر الدينية مثل لبس الحجاب وإقامة الصلاة في مؤسسات الدولة. وقد يكون دعم حركة الخدمة لحزب العدالة والتنمية في هاتين الدورتين لعب دورا في تخلي الفئات الأخرى عن دعمها والوقوف معها أثناء محنتها هذه. لكن ألم يكن معظم المهتمين بالحقوق الأساسية والحريات دعموا الحكومة في مناهضتها الوصاية العسكرية وارتكبوا” الخطأ” نفسه؟