طورخان بوزقورت
التجارة العالمية تجاوز حجمها 24 تريليون دولار وهذا رقم كبير. فنحن نتحدث عن كعكة تفوق حجم الدخل القومي التركي بـ30 ضعفاً.
هناك عمليات بيع وشراء لملايين الأنواع من البضائع بدءا من الرقاقات الإلكترونية الصغيرة وصولا إلى الآلات الضخمة. وإن القوة العاملة الموصوفة بالقطاع اللوجستي والتي تقود هذا السير المعقد لا يمكنها تحقيق أكثر أنواع التكنولوجيا تقدما دون وجود إمكانيات المواصلات. وليتها كانت “الطرق المزدوجة” كافية لتحقيق هذا النجاح اللوجستي.
وتتقدم الدول ويزداد دخلها تبعا لتقدمها اللوجستي. ولأننا (تركيا) ركّزنا على قطاع النقل والتخزين، فلا يرد اسمنا في القطاع اللوجستي. وقد احتلت ألمانيا المرتبة الأولى في مؤشر الأداء اللوجستي لدى البنك الدولي، وجاءت هولندا في المرتبة الثانية، وسنغافورة (وهي دولة صغيرة جدا) في المرتبة الخامسة، ولوكسومبورج في المرتبة الثامنة. وكانت تركيا حسب مؤشر الأداء لسنة 2012 في المركز 27 حيث حصلت على 3.51 نقطة من الناحية اللوجستية العامة. لكنها تراجعت للمرتبة 30 في 2014 حاصلة على 3.50 نقطة من بين 160 دولة.
لاشكّ في أن الوصول إلى مصافّ أقوى 10 دول من حيث القوة الاقتصادية في العالم يستوجب تغيير الأرقام المذكورة آنفا. ولن تزال تركيا تراوح في مكانه وتقدم خطوة وتؤخّر أخرى بدخل فردي بقيمة 10 آلاف دولار ما لم يكن لدينا وعي وحضور لوجستيان. وحتى كلام كمال كلتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري في فندق “إسطنبول كونراد” عن القاعدة اللوجستية ومشروع “المدينة الكبرى” (Mega City) جاء متأخراً. وقد صفق له الحضور في القاعة، وهو وعد بمنح مكافأتين للمتقاعدين مؤكدا أنه يسير في خطى موفقة لتحقيق مشروع القرن. وهذا المشروع سيلقى المزيد من القبول والدعم كلما جرى الحديث عنه.
إن مشروع حزب الشعب الجمهوري هو نقطة الخلاص في الوقت الذي لا يحقق فيه الوضع الجيوستراتيجي التركي أي فائدة. فما الذي يمنع من تقييم إمكانية الوصول إلى أسواق تُقدر بنحو 21.6 ترليون دولار وتصل لحوالي 1.5 مليار إنسان في 58 دولة خلال 4.5 ساعة من الطيران الجوي؟ فهذا منعطف تاريخي بين الشرق والغرب. فتركيا تتوسط العالم القديم المحاط بالبحار من 3 جهات وكأنها ألماسة براقة. فلِمَ لا تكون ميناء عالميا مدعما بالخطوط الجوية والبحرية والبرية والحديدية؟ ولم نستفد من وضعنا الجغرافي إلى اليوم باستثناء مرور خطوط النفط والغاز. وحسب المعلومات التي أدلى بها كلتشدار أوغلو فإن تركيا ستغدو من خلال الاستثمارات التي تُقدر بمائتي دولار على مدى 20 سنة مركزاً عالمياً كهولندا وسنغافورا وهونج كونج. وسوف تتعهد الدولة بأربعين مليار دولار من الاستثمارات خلال 20 سنة. وسيتم الفراغ من سداد 70% من التكاليف حتى 2023. وسيتم تشغيل مليون و633 ألف شخص في هذا المشروع وبإضافة ما يلحق به يصل هذا الرقم إلى 2.2 مليون شخص. كما سيصل الدخل الفردي إلى 30 ألفا و323 دولارا.
في حين أنه لم يُفصح عن المدينة أو المدن التي سيتم اختيارها لتكون مركزاً، وكأن ذلك سر، إذ إنه لا يراد لتجار الأراضي أن يربحوا أموالا طائلة دون عناء. وسيكون للمدينة الكبرى قانون خاص بها وسيديرها محافظ واسع الصلاحيات. وستكون المعاملات الرسمية والبيروقراطية منخفضة قدر المستطاع. وستنتشر الشركات اللوجستية، والتمويلية، والصناعات الخفيفة، والتكنولوجية، وموديلات السيارات في هذه المدينة الكبرى.
فاللوجستية لا تعني مجرد إيصال بضائعكم بشكل محسوب وسريع إلى الأسواق فقط، بل إنها تحقق المزيد من الأرباح عن طريق الضرائب المفروضة على بضائع الدول الأخرى والتي تمر من البلاد. فتركيا مضطرة إلى أن تكون متقدمة في المجال اللوجستي. وهذا لا يتأتي من العمل الجمركي التقليدي. لذا يجب تطوير خدمات النقل والتوزيع والحمولات وفق القطاع الخاص. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن البنك الدولي أنفق في 2013 فقط 5.8 مليار دولار لدعم المشاريع التي من شأنها تسهيل التجارة، فلن يكون من الصعب إيجاد دعم خارجي لمشروع المدينة الكبرى في تركيا.
علينا أن نتناقش حول مشروع المدينة الكبرى بشكل كلي بإيجابياته وسلبياته بدلا من التخلي عنه. فلا ضير في التباحث حول هذا الموضوع. بل على العكس إنه يأتي بالفائدة، وقد وجه كليتشدار أوغلو نداء مهما قبيل الانتهاء من خطابه، حيث قال: “علينا التخلي عن النزاعات السابقة، فأنا مع التطور والنهضة التنموية”. ويمكن لكل منصف أن يشارك في هذا الطلب.