علي بولاج
كان انقسام الجماعة يعد من أكبر الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها هذه البلاد (تركيا). وللأسف انقسمت الجماعة. وظهرت المشاحنات فيها. والخلافات تزداد يوما بعد يوم. وبات السلم الاجتماعي مهددا.
ولا أقصد بالجماعة حركة الخدمة بل كل من يوجد في دائرة الإسلام ويعد نفسه مسلما، وكل المجموعات والطرق والفرق الإسلامية. فالدين الإسلامي يأمرنا بالوحدة. ونعلم أن المؤمنين إخوة. فإن حدث اختلاف بين اثنين رجعا إلى القرآن والسنة. وعينا طرفا مسلما ثالثا حكما للإصلاح بينهما. فإن بغت إحداهما على الأخرى ناهضوا الفئة الباغية. نحن نعلم هذا ولكن هل نعمل به؟
تشرذمت العائلات وتحزب الإخوة وتزايدت معدلات الطلاق بسبب الخلافات المستمرة. وبات الأصدقاء القدامى يمتنعون عن تبادل السلام فيما بينهم. فانقسام الجماعة يعني إضعاف المجتمع الإسلامي وانهياره، فلنقل إن صداقاتنا كانت تستند إلى أرضية هشة. فكيف يمكن تفسير تفكك العائلات؟
فلو نظرنا في حياة الجيل الأول من المسلمين لوجدنا أن الخلاف كان قد وقع بين الصحابة أيضا. فكيف حدث الخلاف بين الذين تلقوا التربية من النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقد كانت هناك خصومات بين الهاشميين والأمويين قبل الإسلام، وتجددت هذه الخصومة في النصف الثاني من عهد خلافة عثمان رضي الله عنه. وأنا لا أعتقد أن زعماء بني أمية الذين سيطروا على الحكم كانوا مخلصين. فهم لم يتقبلوا أبدا بسيادة النبي صلى الله عليه وسلم عن طيب خاطر بل انتظروا حتى تظهر لهم الفرصة المناسبة. إلا أن علي بن أبي طالب والسيدة عائشة وعبد الله بن الزبير وطلحة رضي الله عنهم كانوا من خيرة الصحابة ولم تكن خلافاتهم بسبب العصبية القبلية.
وفي معركة الجمل وحدها قُتل أكثر من 20 ألف شخص بينهم صحابة وتابعون، فترمل آلاف النساء وتيتم آلاف الأطفال. فمن أجل ماذا كان ذلك؟
إن نظرتنا السُنّية لهذه الأحداث تمنعنا عن الخوض فيها بالنقد. ولقد أصبحت نظرة المرجئة، الذين يتركون أمر مرتكب الكبيرة لله، جزءا أساسيا من ثقافتنا السياسية. إن الله هو وحده من سيحاسب على الذنب الذي أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من المسلمين. ولا شك في ذلك. لكن ألا يجب التفكير فيما حدث لاستخراج دروس وعبر؟
وحين أفكر في معركتي الجمل وصفين فإني أفهم سياسة اليوم بشكل أفضل. فما دام الصحابة سفكوا دماء بعضهم فلا عجب في أن يعمل المسلمون الضعفاء على إبادة بعضهم في أيامنا هذه. ولو نظرنا إلى الأحداث بمنظور العلوم الاجتماعية لوجدنا أن هناك تأثيرات مختلفة لعبت دورا فيها. وذلك يريحنا بعض الشيء، لكن هناك مؤثرا آخر أبعد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية هو الذي يتسبب في نزاع المسلمين قديما وحديثا.
كان الصحابة يعيشون في ظل الوحي فيما بين سنتي 610 و632، حيث كانت هناك سيناريوهات إلهية وقد تم تصوير مشاهدها في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وكل ما حدث كان تحت إشراف النبي صلى الله عليه وسلم لأن الوحي كان ينزل عليه باستمرار. وفي حال حدوث أي خلاف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتدخل لحله. لكن مع انتقاله إلى الرفيق الأعلى وانقطاع الوحي زالت الحماية الإلهية ولم يعد هناك نبي ينظم الأمور. ووجب على المسلمين أن يقيسوا الأمور بأنفسهم ويقرروا ما هو الحق وما هو الباطل كي يميزوا الصواب من الخطأ. فعائشة والزبير وطلحة لم يعد بإمكانهم أن يجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويراجعوه كي ينبههم بل وجدوا أنفسهم أمام امتحان صعب ليتخذوا قراراتهم في ضوء ما يعلمون ويفهمون من الكتاب والسنة. وكانت هناك أسباب سياسية واجتماعية متعددة تسببت في تصرفاتهم السياسية ولكن نفوسهم وأهواءهم وآمالهم الدنيوية والأخروية أيضا كان لها دور فيما يقررون ويتصرفون.كما أن هناك أسبابا خارجية عديدة تساهم في الفتن والانقسامات التي تحدث اليوم. لكن نفوسنا أيضا توجهنا وتدفعنا إلى القيام ببعض التصرفات والسلوك. وإن العالم الإسلامي اليوم يعيش معركتي الجمل وصفين، كما أن المسلمين يقتلون بعضهم بعضا كل يوم. أما تركيا فتُعد محظوظة بعض الشيء فلا تسيل فيها الدماء كما في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر.
وأنا أقول يا أيها المسلمون! لنتعلم الدروس ونستخرج العبر من امتحان الصحابة، فلنحاسب أنفسنا، ولنكبح من جموح أنفسنا، ونلتزم بحدود الله. فإن نجحنا نحن في تركيا في تحقيق ذلك وسلكنا طريق السلام والصلاح ولعلنا قد نكون نموذجا للعالم الاسلامي أيضا.