موسكو/ دونيتسك 10 مايو أيار (رويترز) – كشف عدة جنود ونشطاء في مجال حقوق الانسان لرويترز أن بعض الجنود الروس يقدمون استقالاتهم من الجيش بسبب الحرب في أوكرانيا.
وتثير رواياتهم الشكوك في استمرار الكرملين في تأكيداته أنه لم يتم ارسال جنود روس إلى أوكرانيا وأن أي مقاتلين روس في صفوف المتمردين هم متطوعون.
والأدلة كثيرة على وجود مقاتلين روس في أوكرانيا .. من العثور على معدات تابعة للجيش الروسي في البلاد إلى شهادات أسر الجنود إلى أوكرانيين يقولون إنهم وقعوا في أسر مظليين من الروس.
وقريبا سينشر أنصار السياسي بوريس نمتسوف الذي قتل في فبراير شباط وكان من المنتقدين البارزين للكرملين تقريرا يقولون إنه سيتضمن أدلة جديدة على الوجود العسكري الروسي في أوكرانيا.
ومع ذلك فقد كان من النادر جدا حتى الآن العثور على جنود روس قاتلوا في أوكرانيا وعلى استعداد للحديث. وكان الأندر من ذلك العثور على جنود استقالوا من الجيش.
وروى خمسة جنود تركوا الجيش في الآونة الأخيرة تجاربهم لرويترز بما في ذلك اثنان قالا إنهما فضلا الاستقالة على القتال في أوكرانيا.
وقال أحد الخمسة وهو من موسكو إنه ارسل للاشتراك في مناورات في جنوب روسيا العام الماضي وانتهى به الحال إلى دخول أوكرنيا ضمن قافلة مدرعة.
وقال الجندي الذي كان يخدم مع فرقة كانتميروفسكايا الروسية الخاصة للدبابات “بعد أن عبرنا الحدود قال لنا ضابط برتبة لفتنانت كولونيل إننا قد نسجن إذا لم نلتزم بالأوامر. ورفض بعض الجنود البقاء هناك.”
وذكر هذا الجندي اسمه بالكامل لرويترز لكنه اشترط إخفاء هويته خشية الانتقام منه.
وقال إنه يعرف جنديين رفضا البقاء. وأضاف “نقلا إلى مكان آخر. وقال الضابط إنهما يحاكمان في قضيتين جنائيتين لكنهما كانا في الواقع في البيت. وقد اتصلنا بهما بعد ذلك. كل ما حدث أنهما قدما استقالتهما.”
ونفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرارا أن موسكو أرسلت أي قوات عسكرية لمساعدة المتمردين في شرق أوكرانيا حيث تستمر الاشتباكات والخسائر في الأرواح رغم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في فبراير شباط.
وسخر المتحدث باسم بوتين من ادعاءات مماثلة أطلقها حلف شمال الاطلسي وحكومات غربية وكييف.
ويقول مسؤولون إن أي جنود روس يقاتلون أوكرانيا هم متطوعون يساعدون المتمردين من تلقاء أنفسهم.
وقال الجنود السابقون الذين تحدثوا لرويترز وكذلك نشطاء حقوق الانسان إن بعض الجنود كانوا يخشون ارسالهم إلى أوكرانيا وأكرهوا على الذهاب أو أبدوا استياءهم من الطريقة التي عوملوا بها بعد القتال هناك.
وقال جندي فرقة الدبابات السابق من موسكو إنه لم يكن ليذهب طواعية إلى أوكرانيا. وأضاف “لا. ولأي سبب؟ هذه ليست حربنا. لو أن الجنود هناك بصفة رسمية لاختلف الأمر.”
وتابع أنه أرسل للقتال في أوكرانيا الصيف الماضي وعاد إلى روسيا في سبتمبر ايلول عندما أجريت محادثات السلام الأولى. وأضاف أن طاقمه كان يتولى تشغيل دبابة روسية محدثة من طراز تي-72بي3.
وقال إنه بعد العودة “أوقفونا في صفوف وقيل لنا أن الجميع سيحصل على بدل يومي وأشياء إضافية للقتال وأنواط. لكنه أضاف أنهم لم يحصلوا على ما توقعوه.
وقال “قررنا الاستقالة. وكنا 14 فردا.”
ووردت أسماء الجنود التسعة الذين تركوا وحدة كانتميروفسكايا في رسائل متبادلة بين فيكتور ميسكوفتس رئيس إدارة الموارد البشرية في المنطقة العسكرية الغربية بروسيا وبين فالنتينا ملنيكوفا التي تدير تحالف لجان أمهات الجنود وهي جماعة أهلية تتخذ من موسكو مقرا لها.
واطلعت رويترز على الرسائل التي ورد فيها أن نشطاء حقوق الانسان طلبوا من ميسكوفتس الموافقة على استقالات الجنود. وقال جندي لرويترز إن الجيش لم يكن مستعدا لقبول الاستقالات. ولم يرد في الرسائل شيء عن الخدمة في أوكرانيا.
وترك الجنود الخدمة في 12 ديسمبر كانون الأول حسبما ورد في رسالة وقعها ميسكوفتس. ولم يرد هو أو نائبه على مكالمات هاتفية.
وأكد ثلاثة جنود وردت أسماؤهم في القائمة واتصلت بهم رويترز أنهم تركوا الخدمة مؤخرا لكنهم امتنعوا عن التحدث عن أوكرانيا.
وامتنع متحدث باسم وزارة الدفاع عن التعقيب على الجنود الذين هربوا من وحدة الدبابات أو أعيد ارسالهم إلى أوكرانيا.
* حوافز مالية
في روسيا يتعين على الرجال بين سن الثامنة عشرة والسابعة والعشرين الخدمة لمدة 12 شهرا في الجيش. ويقضي القانون بأنه لا يمكن ارسال هؤلاء المجندين للخارج.
غير أن نشطاء حقوق الانسان يقولون إن المسؤولين العسكريين وعدوا المجندين بحوافز مالية لتوقيع عقود تجعل منهم جنودا محترفين. ثم يدفع بهم المسؤولون إلى أوكرانيا.
وسيرجي كريفينكو هو رئيس مجموعة حقوقية اسمها “المواطن. الجيش. الحقوق” وعضو مجلس لحقوق الانسان شكله الكرملين وقد تعامل مع حقوق الجنود منذ السنوات الأولى للالفية الثالثة.
وقال كريفينكو إن القادة العسكريين يحاولون العثور على المزيد من الجنود الراغبين في التطوع للقتال في أوكرانيا بصفة متطوعين.
وأضاف أن القادة ينتهجون نهجا يقوم على الوعد والوعيد. فهم يعرضون مكافآت مالية كبيرة للتعاقد مع الجنود الراغبين في الذهاب إلى أوكرانيا. وإذا رفض الجنود يطلب منهم الاستقالة.
وتابع “لا يمكنك محاكمة أحد جنائيا بتهم عدم اتباع الأمر لأن الأمر نفسه لا يوجد على الورق. الأمر شفهي فقط.”
وقال كريفينكو إن أجور الجنود المتعاقدين ارتفعت منذ عام 2012.
وكان كريفينكو سافر إلى مورمانسك لمقابلة جنود قال نحو 30 منهم له إنهم سافروا إلى أوكرانيا. وأضاف “الان يحصلون على 20 و30 و40 ألف روبل شهريا حسب رتبتهم. والبعض يتقاضى 60 ألفا شهريا.”
ويبلغ متوسط الأجور في روسيا نحو 30 ألف روبل (580 دولارا).
وقال كريفينكو إن الاستقالة ليست قرارا سهلا للجنود “فهم شأنهم شأن غيرهم في روسيا يسددون ثمن شقق وسيارات أجنبية الصنع… ويصبح السؤال هو من أين يجدون المال لسداد ديونهم وإطعام أسرهم؟”
ولم تستطع رويترز التحقق على نحو مستقل من رواية كريفينكو. وامتنع متحدث باسم وزارة الدفاع عن التعقيب على الدور الروسي في أوكرانيا.
لكن بوتين أوضح موقفه. ففي 16 ابريل نيسان قال الرئيس خلال لقاء أذاعه التلفزيون وأجاب فيه عن أسئلة الحاضرين “أقول لكم مباشرة وبكل تأكيد. لا توجد قوات روسية في أوكرانيا.”
* “الظروف الميدانية”
وقال جندي آخر يبلغ من العمر 21 عاما إنه ترك الجيش بسبب حرب أوكرانيا وإنه كان فردا من وحدة لصواريخ جراد. وقال الجندي – الذي طلب عدم الكشف عن هويته وعن وحدته – لرويترز إن فريقه اتخذ موقعا على مسافة كيلومترين من الحدود الاوكرانية في صيف 2014 في منطقة روستوف في جنوب غرب روسيا. وبدا أن العملية عبارة عن مناورة رغم أن الجنود أمروا بالاستعداد الكامل وكأنهم في وضع قتالي.
وأضاف “انطلقنا إلى هناك دون أي علامات. وتخلصنا من كل الأزرار والشرائط. وقيل لنا إننا لن نحتاج إليها في الظروف الميدانية.”
وفي أوائل سبتمبر أيلول أمر الرجال بإطلاق صواريخهم على هدف يبعد 17 كيلومترا أو أقل. وأضاف الجندي أن من المحتمل أن يكون الهدف داخل أوكرانيا “وأملت ألا أكون قد استهدفت أي بشر. أو على الأقل أخطأت الهدف.”
وقال الجندي إن زملاءه أبلغوه أن بطارية أخرى من الوحدة عبرت الحدود وأمضت عشرة أيام في أوكرانيا. وتابع “لم أفهم من يحارب ولأي سبب وما هو مغزى الحرب.”
وقال إنه استدعي فجأة من إجازة في يناير كانون الثاني للعودة إلى وحدته.
وأضاف “نقلنا إلى بطارية (مدفعية) أخرى كان من المفترض أن تذهب لأداء بعض المناورات في منطقة روستوف. وقالوا إنها مناورات كبرى وأن قوات ضخمة جدا تشارك فيها.”
ورغم أنه لم يكن لديه أي دليل فقد أصر أنه لم يشك أنها كانت مرتبطة بالصراع في أوكرانيا.
وقرر هو أربعة آخرين الاستقالة من الجيش بدلا من المخاطرة بارسالهم للقتال في أوكرانيا. وبعد استكمال الاجراءات الضرورية تركوا الجيش في مارس اذار حسبما أوضحت وثائق بحوزة نشطاء حقوق الانسان والنيابة العسكرية.
* حدث في دونباس
في العام الماضي جاء أغلب الجنود الروس الذي حاربوا في أوكرانيا سواء بصفة متطوعين أم لا من وسط روسيا وشمال القوقاز ومن منطقة نهر الفولجا وذلك حسبما قال أقارب لهم ووسائل إعلام روسية.
وفي الآونة الأخيرة رصد صحفيون من رويترز في شرق أوكرانيا مقاتلين من سيبيريا على بعد آلاف الكيلومترات.
ويعزز ظهور هؤلاء المقاتلين ما يقال من أن القوات الروسية من المناطق الأقرب إلى أوكرانيا بدأت ترفض المشاركة في الحرب.
وفي أوائل العام الجاري شوهد مقاتلون بملامح آسيوية يقودون عربات مدرعة ويقفون في نقاط تفتيش في دونباس بشرق أوكرانيا. واتضح أن هؤلاء المقاتلين من مجموعة عرقية منغولية تسمى البورياتيين من سيبيريا قرب بحيرة بايكال على مسافة 4500 كيلومتر تقريبا من أوكرانيا.
وقال سياسي من بورياتيا في جنوب شرق سيبيريا اسمه دوريو دوجاروف إن جنديا سيبيريا عاد من أوكرانيا أبلغه أن “الناس من الجزء الغربي (من روسيا) لا تريد الذهاب. معنوياتهم انخفضت.”
وقال يفجيني روماننكو (39 عاما) وهو مقاتل في شرق أوكرانيا لرويترز انه قاد شاحنة خلال المعارك قرب ديبالتسيف في فبراير شباط ضمن قافلة رافقتها دبابتان مع أطقم من البورياتيين.
وكان روماننكو يرقد في مستشفى ييناكييف حيث يعالج من جروح من جراء إصابة ساقه بشظايا.
وسئل عما إذا كان يعتقد أن من رآهم جنود من روسيا فقال “نعم. بالتأكيد…كان ذلك واضحا.”
وفي فبراير شباط ظهر جندي من البورياتيين في مقابلة تلفزيونية في شرق أوكرانيا.
وظهر المغني المعروف لوسيف كوبزون العضو في مجلس الدوما الروسي في لقطات أثناء زيارة مقاتلين جرحى في مستشفى بدونيتسك أكبر مدن شرق أوكرانيا.
ويقول كوبزون إنه تحدث مع جندي قال إنه فرد من طاقم دبابه من بورياتيا. وذكرت صحيفة نوفايا جازيتا الروسية المستقلة فيما بعد أن الجندي هو دوري باتومونكوييف من الوحدة العسكرية رقم 46108 المرابطة في أولان أوده عاصمة بورياتيا.
وقال متمردون في أوكرانيا إن البورياتيين ليسوا جنودا أرسلتهم روسيا بل متطوعين.
ولم تستطع رويترز الاتصال بباتومونكوييف. وأكدت والدته في اتصال هاتفي أن ابنها خدم في الجيش وجرح في أوكرانيا. وقالت إنها زارته في المستشفى بعد إعادته إلى روسيا. وامتنعت عن الخوض فيما إذا كانت الأوامر صدرت له بالتوجه إلى أوكرانيا أم أنه تطوع للذهاب.
وأضافت “لم يقل إنه ذاهب. اتصل بي يوم 19 فبراير (شباط) وصاح ‘أمي. أصيبت بحروق في دبابة‘. وهذا كل شيء.”