علي بولاج
يعتبر أنس بن مالك رضي الله عنه من كبار الصحابة الذين كانوا في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم. ولد قبل الهجرة بعشر سنوات، وعاش حتى بلغ مائة عام من عمره.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يكافح المجتمع المدني كفاحًا صعبًا في البلدان التي يعتقَد أن الديمقراطية أصبحت طريقة الحكم بها في العصر الحديث، وذلك بغية تشكيل السياسة في سبيل تحقيق المطالب المدنية، وخفض تأثير الدولة على المجتمع،والحيلولة دون إقدام من استولوا على صلاحيات توزيع الموارد العامة للدولة عبر الطرق الديمقراطية أن يستغلوا سلطاتهم في تنفيذ إجراءاتهم التعسفية. [/box][/one_third]ذهب أنس في يوم لأداء صلاة الجمعة في مدينة البصرة، ومن كان يخطب هو الحاكم الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي المشهور بظلمه. وعندما أطال الحجاج الخطبة، لم يتحمل أنس، فنهض وأراد أن ينبهه. حاول أبناؤه وأحفاده وأقاربه أن يمنعوه بقولهم: “إياك أن تفعل شيئًا كهذا، فالحجاج يمكن أن يلحق بك وبنا الضرر”. فغادر أنس الجامع، وامتطى جواده، وقال بينما همَّ بالرحيل: “والله إني لأنظر إلى الدين فلا أرى شيئًا بقي من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى قول لا إله إلا الله”. وعندما سأله من كانوا حوله: “وهل لم تبقَ الصلاة كذلك؟”، رد بقوله: “نعم”. ولو كان أنس بن مالك قد رأى حالنا اليوم لكان قد غادر العالم وليس الجامع فقط.
كان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ظالمًا لكنه كان ذا علم. قال في خطبة ألقاها في موسم الحج في المدينة المنورة عام 75 ه – 695 م: “أيها الناس: لست بالخليفة المستضعف كـ(عثمان) ولا بالخليفة المداهن كـ(معاوية) ولا بالخليفة المأفون كـ(يزيد)، ألا أني لا أداوي هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم.
أنتم تُعلّمونني كيف كان حال الصحابة المهجرين السابقين في خشية الله وتقواه، وتأمرونني أن أتقي الله مثلهم، هل أنتم تتقون الله وتخشونه؟ وهل حياتكم تسير على التقوى؟ لأضربن عنق من طلب مني تقوى الله، لأن طالب هذا ليس على التقوى.
والله لا يفعلن أحد فعلة إلا وجعلتها في عنقه، والله ما يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه“.
كان الخلفاء والولاة الأمويون ظالمين، غير أن الفساد كان قد بدأ ينتشر ليس في قمة الهرم فقط بل حتى قواعده. وكان قانون “كيفما تكونوا يولَّى عليكم” قد جرى. ولهذا السبب كان أصحاب عقيدة الجبرية يقولون إن الخلفاء الأمويين الظلمة هو “قَدَر الله”.
ولمواجهة هذا الفساد بادرت مجموعة من الناس إلى البحث عن طريق جديدة لحماية الدين والسنة النبوية والأمة. فبجوار حركة تدوين الحديث والفقه، ظهرت حركات التصوف التي كانت حركة زهد وتقوى في المقام الأول لتحقيق هذا الهدف. واليوم نرى المنتسبين إلى حركة النور (أتباع الشيخ سعيد النورسي) يقولون إن الإيمان والأخلاق والعبادة وتربية النشء الجيد هو لب القضية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ألن يكون من الأصح في الوقت الذي يواصل فيه من كرّسوا حياتهم لخدمة الإيمان تقديم خدماتهم من جهة، وأن تحاول من ناحية أخرى تأسيس حوار جيد مع المسلمين الذين يخدمون في المجال السياسي وتحذرهم بالطرق السليمة وتحاول بهذه الطريق التأثير على عملية صناعة القرار؟ [/box][/one_third]يكافح المجتمع المدني كفاحًا صعبًا في البلدان التي يعتقَد أن الديمقراطية أصبحت طريقة الحكم بها في العصر الحديث، وذلك بغية تشكيل السياسة في سبيل تحقيق المطالب المدنية، وخفض تأثير الدولة على المجتمع،والحيلولة دون إقدام من استولوا على صلاحيات توزيع الموارد العامة للدولة عبر الطرق الديمقراطية أن يستغلوا سلطاتهم في تنفيذ إجراءاتهم التعسفية. وتشكِّل الجماعات الدينية والطرق الصوفية العصب الأساسي للمجتمع المدني الأصلي التي يكون نفوذها أقل من عدد المنتسبين إليها، وبعض منظمات المجتمع المدني التي يكون عدد المنتسبين إليها عادة أقل من النفوذ الذي تتمتع به.
ثمة نقطتان حيويتان خاصتان باهتمام الجماعات الدينية والطرق الصوفية – القوة المدنية الأصلية -بالسياسة: إحداهما؛ تعزيزها للمجتمع من الناحية الاجتماعية والمعنوية – الأخلاقية وتشكيلها للمطلب السياسي في إطار المعنويات – الأخلاق. وثانيهما؛ محاولتها للتأثير على عمليات وآليات صنع القرار دون انتظار الوقت الذي يتعرض فيه السياسيون للضغط من الأسفل.
وقد صاغت حركة النور السبب الأول كإيمان وخدمة؛ إذ تشكِّل هذه الخدمة أساس الحياة الاجتماعية والعامة بحسب ما أشار الدكتور شرف الدين بكتاش في مقاله المنشور في جريدة زمان بتاريخ 13/4/2015. في حالة انعدام الأساس المعنوي والأخلاقي هذا، يكون السياسيون مرآة المجتمع، ويستحق المجتمع آنذاك حكامًا ظالمين أمثال الحجاج وعبد الملك.
وتبقى هذه الأسئلة مطروحة: هل يكفي الأساس المعنوي – الأخلاقي من أجل إصلاح المجتمع؟
ففي الوقت الذي يكون هناك سعي ذو محور إيماني حتى تصل نسبة النضج في المجتمع إلى 60 – 70% فإلى أي مدى يكون صحيحًا أن نترك تحديد السياسات الاجتماعية والعامة إلى الديمقراطيين والليبراليين العلمانيين؟
ألن يكون من الأصح في الوقت الذي يواصل فيه من كرّسوا حياتهم لخدمة الإيمان تقديم خدماتهم من جهة، وأن تحاول من ناحية أخرى تأسيس حوار جيد مع المسلمين الذين يخدمون في المجال السياسي وتحذرهم بالطرق السليمة وتحاول بهذه الطريق التأثير على عملية صناعة القرار؟