علي يورطاجول
لم تكن مفاجأة ألا نجد أي حزب سياسي تركي يتحدث في حملته الانتخابية عن مفاوضات تركيا مع الاتحاد الأوروبي أو مسألة انضمامها إلى الاتحاد. فالمفاوضات المستمرة منذ عقد من الزمان وصلت إلى “طريق مسدود” وفقد منظور العضوية مصداقيته تمامًا.
تخلفت مسيرة المفاوضات التي بدأت بقمة هلسنكي في ديسمبر/ كانون الأول 1999 لدرجة أن الصحف لم تعد تتناول هذه القضية. كما توثّق البرامج الانتخابية في تركيا قلة الاهتمام بهذه المسألة. والاتحاد الأوروبي لم يعد يذكر متعلقا بالديمقراطية والحقوق الاجتماعية والأساسية والاقتصاد والتنمية والرفاهية والسلام كما كان الحال قبل عشرة أعوام. فمفاوضات العضوية يجري تناولها تحت بند “السياسة الخارجية” في البيانات الانتخابية للأحزاب السياسية. ولم تعد تأتي في المقام الأول، بل صارت تتخلل بعض الفقرات. أي أن الاتحاد الأوروبي لم يعد عنصرًا مهمًا فيما يتعلق بالسياسة الداخلية في تركيا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لم تكن مفاجأة ألا نجد أي حزب سياسي تركي يتحدث في حملته الانتخابية عن مفاوضات تركيا مع الاتحاد الأوروبي أو مسألة انضمامها إلى الاتحاد. فالمفاوضات المستمرة منذ عقد من الزمان وصلت إلى “طريق مسدود” وفقد منظور العضوية مصداقيته تمامًا.[/box][/one_third]لاشك في أن هناك العديد من الأسباب لسقوط المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من أجندة تركيا. أما عدم تناول المعارضة التركية للضعف الذي ظهرت به الحكومة في مفاوضات العضوية فله علاقة بالمشاكل التي يعتبر الاتحاد الأوروبي نفسه مصدرها. كما يعد الخطاب المؤثر الذي ألقاه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي يمكن أن يكون مثالًا، واحتوى عبارات من قبيل: “تركيا ليست في أوروبا” واعتراضه على خمسة من فصول المفاوضات (عدد فصول المفاوضات 35 فصلا) أهم العناصر التي تقف أمام إتمام مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد الرأي العام في تركيا أن العديد من السياسيين الأوروبيين، الذين وقفوا صامتين، يؤيدون هذا الموقف الذي ظهر به ساركوزي، والأتراك محقون في ذلك. وما يصعِّب انتقاد المعارضة التركية لحكومة حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي الموقف غير المتناسق والمتحيز الذي اتبعه الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالقضية القبرصية واستبعادها، بالرغم من الدعم الذي تقدمه جمهويرية شمال قبرص التركية لمشروع الأمم المتحدة لحل مشكلة الجزيرة القبرصية المقسمة. أضف إلى ذلك أن الأزمة الاقتصادية، لا سيما النموذج اليوناني، تعتبر عاملًا مهمًا أرهق الأذهان فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي. فالتيارات اليمينية واليسارية في تركيا تتحدث عن أن الاتحاد الأوروبي، الذي كان يعتبر رمز الرفاهية والتنمية، يمكن أن يكون منبع الأزمة، وحتى المسؤول عنها.
نرى السياسيين المؤثرين داخل صفوف حزب العدالة والتنمية وبعض الإعلاميين الموالين للحزب يتحدثون عن “الغرب المنهار”، الأمر الذي يظهر أن روح “حزب الرفاه” قد عادت للتأثير من جديد. ويمكن أن نقرأ انتقادات مشابهة في كتابات بعض الأسماء البارزة في التيار اليساري في تركيا أمثال كوركوت بوراتاف.
وإذا أردنا أن نلخص هذه المسألة سنقول إن مفاوضات انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي ومسألة عضويتها لم تعد مطروحة بشكل ظاهر في البيانات الانتخابية للأحزاب السياسية التركية.
كان حزب الشعوب الديمقراطية أقل الأحزاب السياسية في تركيا تناولًا للموضوع. فلم يتطرق زعماء الحزب إلى الحديث عن هذه الوتيرة سوى من خلال عبارة “سنتناول المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والسعي وراء نيل العضوية في إطار مبادئنا”. وهذا ليس مثالًا على انعدام أهمية الموضوع في الواقع من خلال هذه العبارة. فلأن البرنامج الانتخابي للحزب جاء مختصرًا، فمسألة مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي جرى تمريرها من خلال عبارة مقتضبة. فآراء الحزب بشأن الشواذ جنسيًا والأقليات والحقوق الاجتماعية والأساسية بصفة عامة يؤكد أن حزب الشعوب الديمقراطية هو أقرب حزب سياسي في تركيا لمعايير كوبنهاجن. وبالرغم من ذلك فإن فصلًا أو مقاربة تتناول سياسة الاتحاد الأوروبي ليس موجودًا في بيان الحزب. وعلينا ألا ننسى أن الناخب الكردي هو أكثر الناخبين حساسية فيما يتعلق بمسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وبالرغم من ذلك فإن الحزب الذي يمثل الأكراد في تركيا، حزب الشعوب الديمقراطية، لم يتطرق للحديث بشكل مفصل عن عملية المفاوضات مع الاتحاد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تخلفت مسيرة المفاوضات التي بدأت بقمة هلسنكي في ديسمبر/ كانون الأول 1999 لدرجة أن الصحف لم تعد تتناول هذه القضية. كما توثّق البرامج الانتخابية في تركيا قلة الاهتمام بهذه المسألة. والاتحاد الأوروبي لم يعد يذكر متعلقا بالديمقراطية والحقوق الاجتماعية والأساسية والاقتصاد والتنمية والرفاهية والسلام كما كان الحال قبل عشرة أعوام.[/box][/one_third]وإن كان حزب الحركة القومية اليميني قد أطلق عبارات مشابهة فيما يتعلق بالديمقراطية والحقوق الأساسية، إلا أنه تبنى أبعد استراتيجية انتخابية عن برنامج حزب الشعوب الديمقراطية، حتى أننا يمكن أن نطلق على استراتيجيته “الاستراتيجية المعادية لحزب الشعوب الديمقراطية”. فعلى عكس اهتمام حزب الشعوب الديمقراطية بالتعددية والأقليات والإدارة المحلية في حملته الانتخابية، نجد حزب الحركة القومية قد أكثر في بيانه الانتخابي من استخدام مصطلحات متكررة مثل “الواحد”. فالجملة النموذجية في بيان الحزب تبدأ بكلمة “دعوتنا”، وتنتهي بعبارة “وطن واحد، وعَلَم واحد، وأمة واحدة، ودولة واحدة، ولغة واحدة”.
وبالنسبة لحزب الحركة القومية فإن “كون تركيا في مركز المنطقة الجغرافية السياسية لأوراسيا” أهم من كون تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الذي نبدأ الظن فيه بأن الحزب (الحركة القومية) لم يتطرق إلى موضوع الاتحاد الأوروبي، يقابلنا عنوان يمكن فهمه كالمخالفة لفكرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتأتي بعده هذه العبارات التي تبدو معادية للاتحاد الأوروبي: “لا يعتبر حزبنا العلاقات مع الاتحاد الأوروبي مسألة “هوية” أو “قدر” بالنسبة لتركيا. كما أنه يدافع عن الفكرة التي تفيد بأن تركيا ليست مجبرة أو مضطرة أو بحاجة ماسة إلى الانجرار والدوران في فلك الاتحاد الأوروبي مهما كلَّف الأمر”.
وبالرغم من ذلك فإن حزب الحركة القومية يقدم الوصول إلى هدف “العضوية الكاملة” للاتحاد الأوروبي على أنه الخيار الوحيد في العلاقات بين تركيا والاتحاد، بالتالي نجد صعوبة في فهم وتفسير هذا التناقض في وجهة نظر الحزب. فيرى الحزب أن ما يشكّل أساس سياسته هو مواصلة مفاوضات الشراكة (العضوية) مع الاتحاد الأوروبي وعدم الموافقة على المبادرات الأخرى بخلاف العضوية الكاملة، شريطة ألا يضر ذلك بمصالح تركيا. ولا ريب في أن الحزب عندما يقول “مفاوضات الشراكة” يقصد بها “مفاوضات العضوية”.
واسمحوا لي أن أتحدث في مقالي المقبل عن المقارنة بين البيانين الانتخابيين لحزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري وتوجهاتهما فيما يتعلق بمفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي