أدرنه (تركيا) (زمان عربي) – اليوم سوف نأخذكم في جولة نحو أقصى غرب تركيا باتجاه مدينة أردنة الحدودية الملقبة بأنها مولود لمدينة بورصا ووالد لمدينة إسطنبول فهي العاصمة الثانية للدولة العثمانية بعد مدينة بورصا وقبل مدينة إسطنبول وتشكل مرحلة مهمة في التاريخ التركي.
ولا بد من أن نبدأ زيارة المدينة العريقة بجامع السليمية الذي يمثل القمة في العمارة العثمانية ويعطي المدينة جوا روحانيا فريدا. فمدينة أدرنة اليوم، وإن كانت خالية من معظم حدائقها الخضراء التي كانت تزين كل مكان في الماضي، إلا أنها ما زالت تحافظ على هويتها كمتحف مفتوح يعرض للزائرين آثارا خالدة من الحضارات الحية. ومما لا شك فيه أن أهم أثر فيها هو الذي يحمل ختم المعماري سنان.. ألا وهو “جامع السليمية“، إذ يشكل أبرز معلم تاريخي في هذه المدينة.
جامع السليمية… أقامه المعماري سنان آغا، أعظم معماري حفر اسمه بالذهب في التاريخ العثماني، على أعلى تلة بمدينة أدرنه، بأوامر من السلطان سليم الثاني.
وجامع السليمية لا يبهر الإنسان بمنظره الخارجي فحسب، بل بزخارفه الداخلية أيضًا. ومن يدخل الجامع يحس بفضول ورغبة شديدين ويدور تحت القبة الرئيسة بتعجب، ولا يعرف من أي نقطة يبدأ النظر.
تذكر الروايات أن السطان سليم الثاني رأى في منامه الرسول عليه الصلاة والسلام يقول له “ابنِ جامعا في أدرنه”.. فأمر ببناء جامع السليمية على الفور عام 1568م. وفي عام 1574 وصلت بشارة انتهاء بناء الجامع إلى السطان، لكنه لم يحظ بحضور في افتتاحه ولا بالصلاة فيه إذ توفي بعد فترة وجيزة.
أبدع المعماري سنان آغا، الذي كان يبلغ من العمر 84 عاما، في بناء هذا العمل الفني الفريد الذي يبهر زائريه بهيبته الخارجية وجمال زخارفه الداخلية، حتى أصبح وكأنه رمز للدولة العثمانية في ذلك الوقت.
وحرص سنان آغا على تشييد قبة تقوم على ثمانية قوائم (تسمى بأرجل الفيل)، مستلهما بقبة آياصوفيا في إسطنبول، لكنه حطم رقمه القياسي في طول قطر القبة الرئيسة.
وعندما ننظر بتأنٍ في كل أرجاء الجامع، نجد أن كل قطعة فيه تمثل رمزًا مستقلًا بذاته؛ فالنوافذ الخماسية ترمز إلى أركان الإسلام الخمس، في حين أن المنبر المصنوع من الرخام على شكل قفص طائر له روعة جمالية فريدة.
أمَّا المكان المخصص للمؤذنين فهو في ذاته مثال على التواضع. بينما تجذب زهور التيوليب (اللالة) المقلوبة إنتباه الزائرين، والتي يعود تاريخ ظهورها لأول مرة إلى نقشها على نعش فاطمة حفيدة سنان آغا. والجزء الأوسط من الجامع تم زخرفته بطريقة بديعة من قبل أحد تلامذة أسطورة العمارة العثمانية سنان آغا.
والآن، حان موعد صلاة الظهر، في جو من الخشوع وسط رفرفة الطيور والحمائم التي جاءت لتشارك في الطقوس الدينية في هذا المكان الفريد. ولنؤمِّن بعدها سويا على أدعية إمام الجامع.
حان وقت تناول” كبدة” أدرنة الشهية
صلينا الظهر في جماعة، والآن حان موعد تناول وجبة شهية من أشهر مأكولات المدينة العثمانية التاريخية. حان وقت تناول” الكبدة” المطبوخة على طريقة أدرنة اللذيذة المشهورة في كل أنحاء تركيا.
وحتى الذين لا يحبون أكل الكبدة في المعتاد، عليهم خوض التجربة، وتذوق طعمها الشهي. لكن في أي مكان يفضل أكلها؟ يمكننا أن نتناول كبدة أدرنة في المطاعم الصغيرة والمحال الموجودة في محيط سوق علي باشا المجاور لجامع السليمية. ولا تغادروا المكان قبل تناول حلوى “دواء المسك” الشهية، وحلوى مسحوق اللوز، وكعك الكافالا.
والآن قد حان موعد احتساء الشاي على ضفاف نهر مارتيزا (مريج)..
وقبل أن نغادر المدينة يجب أن نمر بنهر مارتيزا (مريج) أحد أكبر أنهار منطقة البلقان، والمعروف بوجود عدد من الجسور العثمانية الأثرية عليه، من أبرزها جسر” مريج” الذي يربط بين مركز المدينة وبلدة قارا آغاتش، أو كما يُعرف أيضًا باسم جسر “المجيدية”، لتشييده عام 1842 في عهد السلطان عبد المجيد.
وكانت هذه المنطقة في الوقت نفسه موقعا لمعركة” تشيرمين” التي وقعت بين الدولة العثمانية والصرب عام 1371. والآن يمكننا أن نجلس لنستريح ونحتسي الشاي في حدائق الشاي الممتدة على طول ضفاف النهر، ونستمع إلى صوت الطبيعة متخيلين في الوقت نفسه أحداث التاريخ.