صنعاء، اليمن (أ ب) – تعيش مئات العائلات تحت الحصار في منازلها جراء القتال الشرس المستمر منذ أسابيع في وسط مدينة عدن الساحلية جنوب اليمن، التي تعاني نقصا شديدا في الإمدادات، حيث شريان الحياة الوحيد يأتي من قبل المتطوعين الذين يخاطرون بقطع أشواط عبر ميناء المدينة في قوارب متهالكة حاملين معهم الغذاء والدواء.
محنتهم تلك تشكل مستوى واحدا من البؤس الذي تعيشه عدن، التي كانت ذات يوم مركز اليمن التجاري، قبل شهر من حرب المدن التي لا تلين حيث يحاول المتمردون الشيعة وحلفائهم في الجيش الاستيلاء على المدينة، ويخوضون معركة مع المسلحين المحليين في ظل قصف الطائرات الحربية التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية للمدينة في محاولة لوقف تقدم المتمردين.
ودمرت البنية التحتية في المدينة التي كانت تأوي في يوم من الأيام مليون شخص، بشكل ممنهج، سواء من القتال البري الذي يخوضه الجانبان أو من الغارات الجوية. وبات القمح شحيحا بعد أن دمرت صوامع الحبوب في الميناء جراء الغارات الجوية بعد أن لجأ إليها المتمردون الذين يعرفون باسم الحوثيين، الأمر الذي أدى إلى نقص الدقيق لدى مخابز المدينة.
وقصفت غارات جوية أخرى فنادق ومدارس – وحتى مركز التسوق الرئيسي في المدينة – تلك التي كانت نقاط تجمع للحوثيين وحلفائهم. واقتحم مسلحون المستشفى الرئيسي في عدن، حيث خطفوا بعض الناس الذين يتلقون العلاج فما فر الأطباء والمرضى، بحسب الأمم المتحدة.
يقول محمد مطر، مواطن محاصر في منزله منذ أسابيع مع زوجته وأطفاله السبعة من دون كهرباء أو مياه جارية، “إنهم يجوعوننا”. ويضيف إنهم يعيشون على علب التونة والبلح والأرز. وفيما كان يتحدث إلى أسوشيتد برس عبر الهاتف، قاطعته ابنته عائشة، وعمرها أربع سنوات، في الخلفية متسائلة: “كم من الوقت ستستغرق الحرب؟ هل سيغادر القناصة التل؟”.
عائلة مطر من بين آلاف غير القادرين على مغادرة منازلهم الواقعة في أسوأ ساحات القتال في أحياء وسط مدينة عدن الذي يمتد على شبه جزيرة تبرز في بحر العرب، ترتبط بالبر الرئيسي ببرزخ ضيق يقع في أغلبه تحت سيطرة قوات مشتركة من الحوثيين وحلفائهم، القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
وتركتهم الجغرافيا في عزلة في شوارع منطقتهم التي باتت مناطق حرب، حيث تقصف الدبابات المناطق السكنية ويعتلي القناصة أسطح البنايات فيما تحاول المليشيات سيئة التسليح صد الحوثيين والقوات الموالية لصالح. ويبقى الجرحى والقتلى لأيام في الشوارع في ظل عجز الإسعاف عن الوصول إليهم بسبب نيران القناصة. ودفنت بعض العائلات أحبائها في ديارها. وشق اخرون طريقهم إلى كلية الطب التابعة لجامعة عدن لدفنهم في قطعة أرض فضاء، على ما قال العديد من السكان لأسوشيتد برس.
“إنه سجن كبير هنا. الحرب أمامنا والبحر خلفنا”، حسبما يقول مطر. “لقد أصبحنا مثل متسولي الشوارع ننتظر من أي شخص أن يلقي لنا قطعة خبز أو شربة ماء”.
أحد المصادر القليلة للمؤن هي رحلات القارب التي تنظمها مجموعة من المتطوعين أطلقت على نفسها “لأجلك عدن”. وجمعت المجموعة أكثر من مرة على مدار الأسبوع الماضي الطعام والدواء ونقلتهم على متن قوارب قديمة من أحياء عدن الرئيسية لتعبر ثلاثة أميال من خلال الميناء إلى شبه الجزيرة. وفي أحد المرات، تداعى قارب في منتصف الرحلة، ليسحب إلى البر بواسطة سفينة أخرى، حسبما قالت مها السيد، متطوعة في المجموعة.
وقالت “الرحلة خطرة لأنه يمكن قصفك من أي جانب، في أي نقطة خاصة وأن مؤن الغذاء يصعب إخفائها”. وتمتلك المجموعة قائمة بأسر محاصرة في الوسط، لكن بمجرد وصولهم إلى المنطقة، لا يتمكنون من التحرك إلى ما هو أبعد من أحواض السفن بسبب القتال، حسبما أوضحت، وبالتالي يقوم السكان بالركض والمخاطرة بأنفسهم للحصول على المؤن.
عدن واحدة من أراضي المعركة في حرب تحذر الأمم المتحدة ووكالات مساعدات أخرى من أنها تدفع الدولة الفقيرة إلى هاوية الكارثة الإنسانية.
والخميس، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن أنظمة الصحة والمياه والاتصالات في البلاد “على شفا الانهيار”. ويستورد اليمن 90 بالمائة من إمداداته الغذائية، ولم تعرقل الواردات فقط، إنما عرقلت أيضا عملية توزيع الغذاء الذي أصبح لا يصل من الموانئ التي لازالت تعمل إلى الأجزاء الأخرى من البلاد. وقفزت أسعار الوقود إلى معدلات عالية مما تسبب في ارتفاع أسعار الغذاء أيضا.
وقال بان كي مون إنه في أنحاء اليمن، قتل 1200 شخص بالرغم من أنه لم يتضح من بيانه كم منهم من المدنيين. والأسبوع الماضي، قال المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، روبرت كولفيل، إن 551 مدنيا قتلوا وأصيب 1185 آخرين في العنف الذي اندلع بين 26 مارس/ أذار إلى 22 أبريل/ نيسان. وفر حوالي 300 ألف شخص من منازلهم في أنحاء اليمن.
كانت السعودية قد شنت حملتها الجوية في السادس والعشرين من مارس/ أذار في محاولة لاستعادة حكومة الرئيس المعترف به دوليا، عبد ربه منصور هادي، الذي فر من اليمن في مواجهة الهجوم الذي شنه الحوثيون. واستولى المتمردون على العاصمة صنعاء، ومعظم الشمال العام الماضي ومازالوا يتقدمون في الجنوب. وقبل فراره، أعلن هادي أن عدن هي العاصمة المؤقتة لليمن، والمدينة هي واحدة من المعاقل الأخيرة المتبقية لأنصاره.
وفي عدن، تجمع عشرات الآلاف ممن فروا من ديارهم في مناطق آمنة نسبيا. ومع ذلك، تعد المواد الغذائية محدودة هناك.
وفي السياق، قال نجيب بابلي، المسؤول في الغرفة التجارية بعدن، إن “المصدر الوحيد للغذاء الآن هو المستودعات والغذاء ينفد منها”، مضيفا أن المياه يتم توزيعها على عربات تجرها الحمير بعدما تعرضت محطات المياه للقصف أو نفد الوقود من مضخاتها.
ونفى حامد بخيت، المسؤول الإعلامي التابع للحوثيين، الاتهامات بأن المتمردين يقصفون المناطق السكنية، ملقيا باللوم على متطرفين إسلاميين، ومضيفا “ليس من مصلحة الحوثيين استهداف المدنيين”.
وخلال الأسبوع الحالي، اجتاحت قوات موالية لصالح حي خور مكسر بعد الحاقهم الهزيمة بالميليشيات المدافعة عن المنطقة. ولدى القوات قوائم بأسماء قادة الميليشيات المطلوبين ومؤيدي هادي، وقاموا بتفتيش المنازل واحدا تلو الآخر بحثا عنهم، وأطلقوا النار على بعضهم في الشارع، حسبما قال مسؤول أمني في عدن لأسوشيتدبرس، مشترطا عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته.
وفي هذا الصدد، قالت ياسمين الأكحلي (39 عاما)، وهي من سكان خور مكسر، إن شقيقها الأصغر قتل في وقت سابق من الأسبوع الحالي عندما أصيب بنزيف حاد بعد تعرضه لطلق ناري في الساق. وفرت ياسمين من الحي الأربعاء الماضي عندما اجتاحته قوات صالح وطال القصف منزلها بينما كان أكثر من ثلاثين شخصا موجودين فيه.
وقالت ياسمين “كان الأمر أشبه بالبرق والرعد عندما اشتدت حرب الشوارع حولنا”.
وقال عبد الرحمن عبد الخالق، الكاتب الشهير في عدن والذي فر من منزله الجمعة، لأسوشيتدبرس “لست خائفا من الحرب بقدر خوفي مما سيحدث بعد ذلك … ما شكل البلد الذي سوف نعيش فيه بعدما ينقشع غبار الحرب. البنية التحتية في عدن دمرت. لا توجد مطارات أخرى في عدن ولا فنادق ولا مستشفيات، لا شيء … الأسوأ لم يأت بعد”.