مصطفى أونال
لا أدري ما إذا كانت هناك حاجة لإجراء بحث كي نرى أن حالتنا ليست على ما يرام من ناحية الفساد، إذ إن كل شيء واضح للعيان.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ما من مدع عام اليوم يجد في نفسه الشجاعة أو يقدر على الخوض في البحث والتحقيق في أعمال الفساد في حق عضو عادي في حزب العدالة والتنمية، ناهيك عن الوزراء أو النواب. لأنه يعلم ما قد يحل به لو جرب ذلك. ولم نقل عن عبث إن فساد العدالة والتنمية أصبح مؤسسة.[/box][/one_third]فهذا الموضوع (الفساد) هو أكثر المواضيع تداولا في الأحاديث بين الأصدقاء وفي المجالس في مراكز المدن والمقاهي القروية. فتاريخ 17 ديسمبر/ 2013 هو موعد انكشاف فضائح الفساد.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت حكومة العدالة والتنمية تبذل قصارى جهدها لإحداث بلبلة وفوضى من أجل التستر على أعمال الفساد. كما هي الغاية الوحيدة من قصة الكيان الموازي. وكانت عناوين الصحف الموالية تخدم الغرض نفسه. ولا شك في أن الحقبة الأخيرة هي العصر الذهبي للاقتصاد المعتمد على الفساد.
أجرت منظمة الشفافية الدولية بحثا حول الفساد. فصدرت أرقام يمكن أن تكون عبرة لمن يعتبر. كما كان اللافت هو أن الفساد تحول إلى مؤسسة مستقلة في عهد حكومة العدالة والتنمية. مع أن حزب العدالة والتنمية كان عبارة عن حركة اتخذت من محاربة الفساد شعارا وهدفا لها. حيث ظهر هذا الحزب كردة فعل على تعفن السياسة. وإنْ أردنا أن ننصفه فعلينا القول إنه حزب بدأ بنجاح. فبمجرد دخوله البرلمان سارع إلى تشكيل لجنة للبحث عن جرائم الفساد ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة مهما كانت صفته أو منصبه. حيث اقتاد كثيرا من الوزراء للمثول أمام المحكمة العليا وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق مسعود يلماز. أما الآن فهو متهم بجعل الفساد مؤسسة مستقلة. حيث وصل إلى مرحلة جسيمة.
كان من السهل بالنسبة لهم أن يبحثوا في ملفات الفساد لغيرهم وإصدار الحكم عليهم وتنفيذ العقوبة فيهم، لكنهم وجدوا الصعوبة في اتخاذ الموقف الصحيح إزاء ما يُدَّعى من ارتكاب جريمة الفساد في حزبهم ومن قبل رفاق دربهم من السياسيين، ليقولوا: ” نحن لا نكترث إن كان من يتورط في أعمال الفساد زملاء في حزبنا ونقوم بما يجب دون أن نتردد”. وقد قال داود أوغلو فيما سبق: ” نقطع ذراع من يسرق أو يمارس الفساد” ،لكن ذلك لم يتجاوز كونه مجرد كلام. فما قُطع لا ذراع ولا إصبع.
خلَّص حزب العدالة والتنمية أربعة من وزرائه المتورطين في الفساد في 17 ديسمبر. ولم يسمح بتحويلهم إلى المحكمة العليا رغم الادعاءات الشائعة. ولم تقف الإجراءات عند هذا الحد. بل قامت حكومة العدالة والتنمية باعتقال ضباط الشرطة والمدعين العموم الذين قاموا بواجبهم القانوني في عملية الكشف عن الفساد والتحقيق فيه.
وما من مدع عام اليوم يجد في نفسه الشجاعة أو يقدر على الخوض في البحث والتحقيق في أعمال الفساد في حق عضو عادي في حزب العدالة والتنمية، ناهيك عن الوزراء أو النواب. لأنه يعلم ما قد يحل به لو جرب ذلك. ولم نقل عن عبث إن فساد العدالة والتنمية أصبح مؤسسة.
وحسب البحث الذي أجرته منظمة الشفافية فإن 56% من الشعب التركي يدرك وجود الفساد في تركيا. في حين أن نسبة الموافقين على ذلك من منتسبي العدالة والتنمية مرتفعة أيضا إذ تبلغ 26%. وإن 4% من الذين صوتوا لصالح العدالة والتنمية يعتقدون أن الفساد ازداد في عهد حكومة العدالة والتنمية. ومن المثير زيادة الفساد بعد 17 ديسمبر أكثر من ذي قبل، ولكن ليس من الصعب إيضاح ذلك.
لم يعد هناك من يستطيع محاسبة المجرمين. وهذا يشجع المجرمين أكثر، وهذا من أسباب هذه الزيادة الملحوظة. وأفاد البحث أن ذوي الحصانة الذين لم تتم معاقبتهم قد حصلوا على أكبر قدر من الأصوات. كما أن علاقة السياسة برأس المال، وأنظمة المناقصات، وعدم كفاية المؤسسات التي تراقب عمليات الفساد من العناصر التي تؤثر في زياد الفساد ويمكن رؤية ذلك حتى بالعين المجردة.
وفي الوقت نفسه يتصرف حزب العدالة والتنمية كالأسد تجاه أخطاء معارضيه. وهناك الكثير من الأمثلة. فبالأمس ورد في الإعلام أن رئيس بلدية أيدين من حزب الشعب الجمهوري المعارض تشيرتشي أوغلو احتج على مجيء 140 مفتشا في عام واحد.
وقال: “نحن نفكر في رفع دعوى قضائية لهذا الضغط الممارس على البلديات التابعة لأحزاب المعارضة وحدها”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إنْ أردنا أن ننصف حزب العدالة والتنمية فعلينا القول إنه حزب بدأ بنجاح. فبمجرد دخوله البرلمان سارع إلى تشكيل لجنة للبحث عن جرائم الفساد ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة مهما كانت صفته أو منصبه. حيث اقتاد كثيرا من الوزراء للمثول أمام المحكمة العليا وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق مسعود يلماز. أما الآن فهو متهم بجعل الفساد مؤسسة مستقلة. حيث وصل إلى مرحلة جسيمة.[/box][/one_third]وأود أن أذكر رقمين آخرين من نتائج هذا البحث. وهما أن 55% من المجتمع يرى أن الحكومة غير فاعلة تجاه جرائم الفساد. وأكثر من نصف المجتمع يحمّل المسؤولية للعدالة والتنمية. وإن 41% يتوقعون أن أعمال الفساد ستزداد كثيرا في العامين المقبلين وإن الشكاوي لن تجدي نفعا.
ومهما كانت الزاوية التي تريدون النظر منها، فاللوحة متشائمة وسوداوية. فكيف ستؤثر هذه الأرقام على الانتخابات؟
مرت تركيا بعمليتين انتخابيتين بعد 17 ديسمبر 2013. وفاز العدالة والتنمية في كلتيهما، لماذا، مع العلم بأن الشعب لا يترك المفسدين دون عقاب. فقد عاقب مرتكبي الفساد بشدة في السابق؟ أظن أن الشعب لم يدرك تماما ماهية أعمال الفساد في 17 ديسمبر.
فحزب العدالة والتنمية استطاع أن يتستر على الفساد من خلال ادعائه بوجود محاولة انقلاب من قبل الكيان الموازي. واتخذ من تلك الادعاءات استراتيجية له. وتذكروا خطابات داود أغلو في الساحات. وكأنها نسخة طبق الأصل من أقوال أردوغان قبل الانتخابات المحلية في 30 مارس 2014. وهو يكرر كلمات مثل “الكيان الموازي” ،”الانقلاب” ،”بنسلفانيا ” وغيرها.
ولا أظن أن هذه الهتافات تنجح مرتين. ولا يمكن حياكة فروين من جلد واحد. كما لا يمكن النزول في ماء النهر مرتين. والاقتصاد الذي يعتمد على الفساد أضعف جانب لدى حزب العدالة والتنمية.
وإن الفساد ليس اختبارا للسياسة فحسب بل اختبار للشعب أيضا…