أكرم دومانلي
يروي بعض المؤرخين أن حسين عوني باشا قال بالحرف الواحد :”إن حقدي هو ديني”. كانت هذه هي الفلسفة الحياتية التي تبناها رجل حاول اغتيال السلطان العثماني عبد العزيز. وفي الواقع كانت هذه العبارة انعكاسا مريبا لفكر رجل يفكر بطريقة بدائية بعدما سقط أسيرا في شباك غروره وجشعه. وقد ألقي القبض عليه متلبسا. هذا فضلا عن أن هذه الجريمة لم تكن الأولى والأخيرة بالنسبة له. فقد وصل حتى القصر وتولى مناصب رفيعة بالدولة. بيد أن سوء الأخلاق الذي كان دفينا في طبيعته قد عاد ليظهر من جديد ليقدم على ارتكاب أعمال منافية للأخلاق.
واتضح أنه مارس الفساد في المناقصات وتلقى الرشاوى وتلطخت يداه بالفساد خلال عقد صفقات شراء الأسلحة واستغل إمكانيات الدولة لتحقيق مصالحه الشخصية.
كما اتهِم بالفسوق. وبدلا عن أن يعترف بجريمته ويستغفر ويتوب منها، استهدف دائما من كانوا يسعون لتطهير الدولة من الفاسدين. وعزم على أن يعاقب كل من أفشى أمره (وفي مقدمتهم السلطان عبد العزيز)؛ إذ كان يتحين الفرص لفعل ذلك، فكان يحسب الحسابات الدقيقة ويعقد التحالفات. كما أنه وجد لنفسه حلفاء ووضع معهم مخططا حقيرا.
يرى بعض المؤرخين أنه تواصل مع الإنجليز وكانت تربطه علاقات بالمحافل الماسونية، كما قدم معلومات خاطئة ومضللة إلى وزارة الخارجية والصحافة. وكان بعض حلفاء أنور باشا لا يعرفون بالضبط ما هو غرضه، وكانوا يعتبرون غضبه شيئا طفوليا (أوشيئا نابعا عن الجهل ولا معنى له)، ذلك أن بعض هؤلاء الحلفاء كانوا ينظرون إلى القضية على أنها إعلان للمشروطية، ويعتقدون أن ذلك سيسفر عن ظهور مجتمع أكثر تحررا ونظام أكثر مساواة.
أما حسين عوني فلم يكن يهتم لا بالمشروعية ولا بالمشروطية. فحقده وكراهيته كانتا تغلبان على دينه لدرجة أنه كان بإمكانه التضحية بكل قيمة مقدسة في سبيل إشباع حقده. وقد شهدت أراضي الدولة العثمانية سلسلة من الحوادث المأساوية بسبب هذا الحقد الدفين، واشتعلت نيران الفتنة بين صفوف الجيش بسبب هذه الكراهية القذرة، وأصاب الشلل مفاصل الأسطول العثماني العظيم وفشلت الدولة في تأمين مستقبلها.
إن هذه الواقعة تستحق التوقف أمامها من جانب من يسعون لإدارة البلاد. فمن يهتم بحقده أكثر من دينه يكون قد أضر بالمجتمع والدولة وحتى بنفسه في نهاية المطاف ولا يذكره أحد بالخير إلى يوم القيامة.
والحقيقة أنه لا يمكن للشخص الحقود أن يكون متدينا، بالضبط كما لا يمكن للمتدين أن يكون حقودا.
جريدة زمان 27/4/2015