مراد يتكين
أعلن الرئيسان المشاركان لحزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش وفيجين يوكسك داغ في 21 أبريل/ نيسان الجاري في إسطنبول عن البيان الانتخابي للحزب.
وقالت يوكسك داغ “سنلغي رئاسة الشؤون الدينية” فلما وجه إليها دميرطاش سؤالا: “وماذا سنفعل بسيارة رئيس الشؤون الدينية” ردت عليه: “نتبرع بها إلى جمعية العلويين”. وهذا ما لم تشهده السياسة من قبل.
وطبعا لن أقول إن السياسة ستغدو طبيعية بذلك فقط.
صحيح أن هذا من علامات عودة السياسة إلى طبيعتها.
لكن لنلق نظرة سريعة على ما جرى ونحن نعلم المآسي التي استمرت لعشرات السنين، والتي كانت تنضوي تحت ضحكات الأمس.
لنبدأ بالحديث عن حاجز الحد الأدنى لدخول البرلمان (الحصول على نسبة 10% من إجالي أصوات الناخبين في البلاد). إن الذين وضعوا حاجز الحد الأدنى الانتخابي هم الانقلابيون عام 1980 في ظاهرة من الظلم الذي ليس له مثيل في العالم. وكانت حجتهم هي الاستقرار السياسي، وغايتهم ألا تدخل الأحزاب الاشتراكية والإسلامية والكردية إلى البرلمان.
وكان حزب الرفاه هو الأول من بين الأحزاب الإسلامية الذي كسر تلك القيود واجتاز حاجز العشرة في المئة ليدخل البرلمان. وسار على نهجه حزب العدالة والتنمية حين تسلم السلطة بمفرده في 2002.
لكن هذا الحزب الذي كان ينتقد العتبة الانتخابية – المتمثلة بتحقيق 10 % من الأصوات – قبل أن يتسلم السلطة بدأ يدافع عنها بالحجة نفسها التي كان يحتج بها الانقلابيون وهي الاستقرار السياسي.
كيف أصبح بإمكان حزب الشعوب الديمقراطية أن ينافس على العتبة الانتخابية؟
لقد كانت الأحزاب ذات الأولوية الكردية قبل هذا الحزب بمثابة ذراع منظمة العمال الكردستاني في البرلمان على حد تعبيرها، ولم تتجاوز نسبة 6 إلى 7 % من خلال تلك العقلية. ولذلك كان الأكراد يضطرون إلى دخول البرلمان بشكل مستقل وبعد أداء القسم ينتسبون إلى الحزب.
لكن في عهد رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بدأت العلاقة بزعيم منظمة حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون في جزيرة إيمرالي تتغير مع المباحثات التي أجريت معه عن طريق رئيس المخابرات خاقان فيدان.
وفي هذه المرحلة اقترح أوجلان على حزب الشعوب الديمقراطية الذي يعتبر المشكلة الكردية في مقدمة أولوياته جذب الاشتراكيين والليبراليين والديمقراطين الذين كانوا الأكثر تضررا بعد انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول.
فهذا الحزب لم يعد حزبا يعمل من أجل حقوق الأكراد فقط. بل يريد أن يكون جزءا من الديمقراطية في تركيا.
وهذه الإجراءات آتت أكلها حتى الآن. واستطاع دميرطاش من خلال هذا النهج الذي يتجاوز القضية الكردية بالإضافة إلى التعاطف الذي أبداه أن يترشح لرئاسة الجمهورية عام 2014 وأن يحصل على 9.8 من الأصوات.
وهذا ما جعلهم يتشجعون لتخطي حاجز 10% من الأصوات لاجتياز العتبة الانتخابية.
وحينها نادى أوجلان بالنقاش من أجل الحصول على الحقوق ضمن الأجواء السياسية تاركا هدف إقامة دولة كردستان الذي بدأ من أجله الصراع المسلح في 1984 وراح ضحيته حتى الآن نحو 40 ألف شخص.
وعلي أن أعترف بأنني كنت أتوقع أن حزب الشعوب الديمقراطية قد يعود إلى طريقة ترشيح مستقلين لضمان الدخول في البرلمان إلى أن سلم الحزب قائمة المرشحين إلى اللجنة الانتخابية العليا في 7 أبريل الساعة 17:00.
وأعلن كل من دميرطاش ويوكسك داغ عن البيان الانتخابي الذي كان يتوافق مع كونه حزبا يعمل على تحقيق أهداف في مصلحة تركيا متجاوزا كونه حزبا كرديا.
كما أجرى مراسل قناة (NTV) في ديار بكر نظام الدين قبلان لقاءات مع الأهالي ونقل امتنانهم تجاه أفكار حزب الشعوب الديمقراطية في التعليم والمساعدات الاجتماعية فضلا عن المشكلة الكردية.
وهذه هي السياسة الطبيعية بحيث تكون هناك آراء حول المشاكل المطروحة على مستوى البلاد كلها.
ولا نعرف ما إذا كان رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة كمال كليتشدار أوغلو سيتحدث بالتفصيل عن المشكلة الكردية، لولا وجود حزب الشعوب الديمقراطية، لكن المهم أنه تحدث.
ولو لم يكن هناك حزب الشعوب الديمقراطية واستشعار قوته، هل كان حزب العدالة والتنمية سيتعرض لانتقادات شديدة إلى هذه الدرجة لأنه تجاهل المشكلة الكردية ولم يتحدث عنها في بيانه الانتخابي؟
وهل كان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو سيقول إن الصفحات التي تتحدث عن المشكلة الكردية قد سقطت سهوا من البيان الانتخابي ويضطر إلى ضم تلك الصفحات مرة أخرى؟
وهذه هي السياسة الطبيعية بحيث تصبح المشكلة الكردية مشكلة مشتركة لجميع الأحزاب في ظل الديمقراطية وليست منحصرة ضمن حزب واحد.
لقد أصبح حزب الشعوب الديمقراطية فاعلا في السياسة إلى درجة أنه من المحتمل أن يتجاوز العتبة الانتخابية 10% وقد يحول دون تحقيق حلم أردوغان في النظام الرئاسي.
ولكن وضع هذا الحزب ليس واضحا حتى الآن لأنه لم يتجاوز العتبة الانتخابية بعد.
لكن سواء تجاوزها أم لم يتجاوزها فإنه يلعب دورا مهما في إعادة السياستين الكردية والتركية إلى طبيعتيهما من الآن وبدأ بإثراء الحركة السياسية في تركيا.