بقلم: إحسان يلماز
ينبغي على كل ناخب قبل الإدلاء بصوته في أي انتخاب أن يقيّم وعود ومشاريع وانتقادات وادعاءات النواب المرشحين أو الأحزاب السياسية الذين يطلبون من الناخب صوته ويزنها على نحو عقلانيّ وبشكل موضوعي؛ عن طريق إعمال عقله وإيقاظ ضميره واستحضار تجربته بما فيه الكفاية في ضوء معلومات موضوعيّة، وذلك من أجل إضفاء طابع الشرعيّة على الانتخابات.
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الإعلام الحر والمستقل يلعب دورًا بالغ الأهميّة في سير العملية الانتخابية بصورة مشروعة. بيد أن وسائل الإعلام والصحفيين ورؤساء هذه الصحف الموالين للحكومة لا يستطيعون أن يدّعوا أنهم يقومون بنشر الأخبار دون أن يخافوا من الحكومة؛ حيث أظهرت نتائج الاستطلاع التي أجريت مؤخرًا أن عددًا كبيرًا من ناخبي حزب العدالة والتنمية الحاكم يعترفون بأن هناك ضغط وقمع كبيرين من الحكومة على الإعلام.
واليوم بات جزء مهم جدًا من الصحافة واقعا تحت قمع الحكومة عن طريق حوافز مالية مثل منح العطاءات لأصحاب الشركات المقربة للحكومة، وتقديم الرواتب المرضية للصحفيين انطلاقًا من مبدأ الثواب والعقاب الذي عُرف باسم “أسلوب العصا والجزرة”، أو عن طريق تهديدات مثل عقوبات ضريبية، والفصل عن العمل، وعقوبة الحبس، والترهيب بالدعاوى القضائية، كما بات لمعظمهم رأيًا رسميًّا وآخر شخصيًّا!
والغريب أن المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون التركية تي أر تي (TRT) التي ينبغي أن تقف على مسافة متساوية من جميع الأحزاب السياسية وهي تلقى اهتماما كبيرًا من الشعب عموما وفي المناطق الريفية على وجه الخصوص أصبحت بمثابة بوق للسلطة بدلًا عن أن تكون صوتًا لمختلف التيارات والجماهير. ورأينا جميعا كيف أن الإعلام الذي يُزعم أنه محايد بات يُعرف لدى الرأي العام باسم “آلو فاتح” – وهو اسم الشخص الذي عينه الرئيس أردوغان مشرفًا على الإعلام الموالي للحكومة، ودارت بينهما مكالمة كرر فيها “آلو فاتح هل تسمعني؟ آلو .. فاتح.. هل تسمعني؟”- واقع تحت تأثير الحكومة وكيف اضطرت بعض وسائل الإعلام إلى إلغاء كثير من برامجها الحوارية.
لم يشهد أي عصر من العصور كل هذا الحد الكبير من المشهد المأساوي الذي آل إليه الصحفيون الذين أصبحوا عاطلين بعد طردهم من عملهم لأنهم ينتقدون إجراءات الحكومة؛ إذ يكاد يتلقى معظمهم أسبوعيًا من رجال الأمن بلاغا بدعوى قضائية مرفوعة ضده، وأصبحوا – بما فيهم أنا – مطالبين للمساءلة أمام المدعين العموم والسبب الوحيد في ذلك هو التعبير عن أفكارنا وآرائنا بصراحة.
صباح أول من أمس الاثنين كان رجال الأمن أول من دق باب منزلي، وأخطروني بأنه رفعت ضدي دعوى قضائية بسبب انتقادي لكبار رجال الدولة، وتبين أن أصحاب الأمر والنهي يرغبون في حبسي، ولا غرابة في ذلك لأن هناك العديد من الصحفيين يواجهون الأمر ذاته.
وفي ضوء ما سبق، فكم شخصا يا تُرى سيكون لديه القدرة على التحليل وتقديم معلومات للناخب – بكل صراحة- في إيضاح الإيجابيات والسلبيات التي تتضمنها برامج الأحزاب في ظل هذه الأجواء التي تشهد فيها وسائل الإعلام هذا القدر من القمع؟ وأود أن أقول بصوت عالٍ لهؤلاء الغوغائيين الذين يقولون “لكن ما زلتم تتمكنون من الكتابة”؛ انظروا للفقرة السابقة مباشرة لتعرفوا سبب تخوفنا، ذلك إن كانوا لم يدركوا المخاطر التي نواجهها ونحن نكتب!
والأمر الذي يدعو للدهشة ويلفت الانتباه هو أن رئيس الدولة رجب طيب أردوغان، الذي أقسم على شرفه وعرضه بأن يكون محايدًا بين الأحزاب على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية، يطالب الشعب يوميًا بالتصويت لحزب العدالة والتنمية عن طريق استغلال مرافق الدولة وبث تصريحاته في العديد من القنوات. زد على ذلك أنه يستخف بذكاء الشعب قائلا “أنا لم أنطق باسم حزب بعينه”. لكن ما الذي يجعل شخصا ينبغي له أن يكون على مسافة واحدة من 550 نائبًا برلمانيًّا يطالب ليل نهار بـ 400 مقعد في البرلمان؟ وكيف سنثق في اللجنة العليا للانتخابات التي تقف صامتة حيال ذلك بشأن حدوث تلاعب وتزوير في الانتخابات؟ وبعد ما غلب على المحكمة الدستورية طابع وصورة “المؤيد للسلطة”؟
وثمة أسئلة مشروعة حول الانتخابات يمكن طرحها في هذا المقام، كالتالي: هل سيتم التلاعب والتزوير في حساب الأصوات في نظام مشاركة نتائج الانتخابات؟ هل ستحدث مرة أخرى عمليات سرقة الأصوات، كما زعِم أنها وقعت في أنقرة ومنطقتي “أوسكُدار” و”كاغيتهانه” بإسطنبول، في المناطق التي كان يخاف الحزب الحاكم من الخسارة فيها؟ هل ستصدر الحكومة حظرًا مرة أخرى على وكالة جيهان للأنباء في متابعة وتغطية الانتخابات؟ هل سيتم شراء ممثلي صناديق الانتخابات من المعارضة بأسلوب “العصا والجزرة”؟ وماذا عن القطط (إشارة إلى إرجاع انقطاع التيار الكهربائي عن 40 مدينة تركية وفي أنقرة أثناء فرز الأصوات في يوم الانتخابات المحلية بدخول” قطط” في محولات الكهرباء حسبما قال وزير الطاقة التركي تانير يلديز)؟ ماذا سيكون مصير الكهرباء؟ المحاكم التي سيتم التقدم إليها بالشكاوى في حال التلاعب والتزوير في الانتخابات يهيمن عليها المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العموم الذي تسيطر عليه الحكومة؛ فهل ستحصل المعارضة على أية نتيجة إيجابية من تلك الجهات القضائية إن رصدت حالة تزوير في النتائج أم لا؟