أورخان كمال جنكيز
إذا أُلقوا نظرة من المستقبل على زماننا الحاضر سيقولون عنه إنه كانت به حرية واسعة في الاستهزاء بذكاء البشر.
فالمسؤولون متأكدون من أنه لا أحد بإمكانه أن يسألهم أو يحاسبهم على ما يقدمون عليه في أي مجال من المجالات أو العلاقات التي يؤسسونها إلى درجة أنهم يجدون سهولة في إدارة أمور البلد.
ويكفي أن تنظروا إلى الوضع في الأيام القليلة الماضية.
فعلى سبيل المثال إذا ما تساءلنا لماذا لم تُذكر مسيرة السلام ولا مرة واحدة في البيان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية علما بأنه مكون من 350 صفحة يجيب رئيس الوزراء رئيس الحزب أحمد داود أوغلو: “ضاعت صفحتان أثناء طباعة البيان مع فهرس الكتيب”.
وثمة مثال آخر إذ إن نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش يقول: “الغاية الوحيدة لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي هي تخطي العتبة الانتخابية (حاجز الـ 10% لدخول البرلمان) وتقليل عدد نواب العدالة والتنمية”. وهو يتغافل عن أن العدالة والتنمية سيستحوذ على أصوات حزب الشعوب الديمقراطية في حال عدم تجاوزه العتبة الانتخابية.
وبعد أن شاهدنا جميعا من القنوات التليفزيونية والانترنت مشاهد نقل الجنود الجرحى بعد الاشتباكات بواسطة أتباع حزب الشعوب الديمقراطية يخرج رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ليقول: ” شاهدت تسجيلات الكاميرات بنفسي وإن ادعاء نقل الجنود من طرف أتباع الشعوب الديمقراطية غير صحيحة”.
ومن ذلك أيضا أن أردوغان الذي ظل يتحدث عن المشكلة الكردية يوميا صباح مساء منذ سنتين يغير رأيه في يوم من الأيام وفي لحظة واحدة ليقول: “عن أية مشكلة كردية تتحدثون أنتم؟!”.
وطبعا إن حرية الاستهزاء بعقول الناس لدى كبار المسؤولين تنتشر في كل مكان. ويستطيع والي مدينة شرناق في أقصى جنوب شرق تركيا أن يقول: “إن بغال المهرِّبين ماتت بعد وقوعها من هاوية” بعد أن رأينا من خلال الصور كيف قتلت البغال بالرصاص في رؤوسها ورقابها.
وحتى القضاء كانت له حصته من مهارة الاستهزاء هذه، فشاحنات المخابرات المحملة بالأسلحة والصواريخ كما تثبت المستندات الرسمية يُدّعى بأنها كانت تحمل المواد الإغاثية. كما أن جمعية كيمسا يوكمو “هل من مغيث” التي تساعد المعرضين للموت والهلاك جوعا وعطشا في أفريقيا أصبحت تُعتبر تنظيما إرهابيا.
إن أكبر مشكلة في هذا البلد هي عدم معاقبة المستهزئين بذكاء الناخبين عبر صناديق الاقتراع، وما سواها عبارة عن تفاصيل، ليس إلا.