نازلي إيليجاك
الاحتجاج الأخير لنائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش كان متعلقًا هذه المرة بـ”الإسراف”؛ إذ قال: “الفترة التي كنا فيها على رأس السلطة منذ 13 عامًا مليئة بالنجاحات التي تستحق الكتابة بأحرف من ذهب، غير أننا فشلنا في السيطرة على مظاهر الإسراف. فيجب على الجميع من رؤساء البلديات والنواب بالبرلمان والآباء والأمهات ألا يسرفوا، كما ينبغي على أبنائنا كذلك ألا يسرفوا، فليس في ديننا ما يبيح شراء المواد الغذائية الغالية وإلقاء نصفها في سلة المهملات ورمي أجزاء الخبز الذي لم يؤكل في القمامة. فعقيدتنا وتقاليدنا تلزمنا بأن نأكل حتى فتات الخبز المتبقية من طعامنا”.
يستخدم أرينتش هذه العبارات لتوجيه النقد غير المباشر لحزب العدالة والتنمية. فهل أخذ من يقيمون في القصر الأبيض الرئاسي هذا الكلام على أنفسهم؟ فنفقات القصر عالية جدا، ناهيك أصلًا عن تكلفة بنائه.
كُشف النقاب مؤخرًا عن قيمة فاتورة كهرباء ذلك القصر؛ إذ دُفعت فاتورة كهرباء تخص الفترة ما بين 18/12/2014 حتى 18/3/2015 بقيمة 3 ملايين و614 ألف ليرة (مليون و363 ألف دولار)، وهذا يعني أن قيمة فاتورة الكهرباء اليومية للقصر تبلغ أكثر من 40 ألف ليرة (18 ألف دولار)، وقيمة الفاتورة السنوية تتخطَّى 14 مليون ليرة (5 ملايين و283 ألف دولار).
الأمر ليس متعلقًا فقط بالإسراف؛ إذ نجح وقْف خدمة الشباب والتعليم TÜRGEV الذي يرأسه بلال نجل أردوغان أن يصبح وقْفًا غنيًا جدا خلال فترة وجيزة. فهل مصدر هذا ذكاء أفراد عائلة أردوغان أو قدرتها على الإقناع؟ أم بسبب سوء استغلال النفوذ والسلطة؟
أوضح النائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري المعارض أنجين أوزكوتش أن هناك قطعة أرض مساحتها 15 فدانًا تطل على بحيرة سابانجا التي تعتبر من أجمل المساحات الخضراء في مدينة ساكاريا ستستثمَر في مشروع إنشائي، وأنها خصصَت لصالح وقْف خدمة الشباب والتعليم TÜRGEV.
وبحسب ما يراه أوزكوتش فإن النمو غير المعقول الذي حققه الوقْف بدأ بتبرع من ملك السعودية بمبلغ 99 مليونا و999 ألف دولار في مقابل فتح تلة “سيفدا تيبيسي” المطلة على مضيق البوسفور للإستثمار في مشاريع إنشائية. ويبلغ عدد العقارات التي يمتلكها الوقف 142 عقارًا (بنهاية عام 2012).
حسب ما أعلمه، تتشكل الأوقاف بالإمكانيات التي ينقلها الأشخاص من ممتلكاتهم الخاصة. أما ما يحصل عليه وقْف خدمة الشباب والتعليم التابع لأسرة أردوغان فإنه يأتي من ممتلكات البلديات أو رجال الأعمال لغرض معين أو تخصص له الأراضي. فلو كانت هرام سلطان (هيام) في مسلسل حريم السلطان أمرت ببناء مجمع هاسكي عن طريق جمع الأموال من التجار مقابل إنجاز معاملاتهم أما كان يسبب انفعال المشاهد؟ أما كان الناس ينزعجون ويقولون: “كيف تظهرون زوجة السلطان سليمان العظيم بهذه الوضاعة؟”. هذا فضلًا عن عدم وجود أية رقابة. ولا أحد يعلم ما حجم الأموال التي تذهب إلى أعمال الخير حقًا وكم حجم الأموال التي تستخدم لأغراض أخرى. فممتلكات وقْف الأردوغانيين تزيد باستمرار. فلماذا يفضل رجال الأعمال” الخيرين” من أمثال علي أغا أوغلو ورضا ضرّاب التبرع لهذا الوقْف تحديدًا؟ أو لماذا تمنح البلديات هذا القدر من الأراضي لهذا الوقف؟ هل من أجل أعمال الخير فقط؟
ربما يكون لدى أرينتش ما يرغب قوله فيما يتعلق بهذا الأمر بعد حديثه عن الإسراف.
كيف بدؤوا وإلى ماذا صاروا؟.. عُرضت مساكن نواب البرلمان للبيع بمجرد فوز حزب العدالة والتنمية بالسلطة (في 2002). وكانوا يرغبون في تقديم نموذج إداري صادق، وكانوا سيبتعدون عن الإسراف. وكان أرينتش يتحدث بصفته رئيس البرلمان بقوله: “نخرج من مساكن نواب البرلمان لنكون بين المواطنين، ونخرج منها حتى لا نكون عبئًا على وزارة المالية. فمصاريف الصيانة الخاصة بكل مسكن من هذه المساكن يبلغ ألف ليرة. وقد يرتفع هذا المبلغ إلى ألف وخمسمئة أو ألفي ليرة لكل سكن. ولهذا نكون قد أنقذنا وزارة المالية من هذه المصاريف، وهذا تصرف يستحق التصفيق من الجميع”.
توالت السنون… فمن خرج من المساكن استطاع أن يصل إلى إمكانية شراء منازل فارهة. ومن كان يخصص المساكن لأجلهم أصدروا تعليمات ببناء أفخم المساكن لأنفسهم، وأفضل مثال على ذلك القصر الرئاسي الجديد.
كان أعضاء حكومة العدالة والتنمية يشتكون من كثرة عدد السيارات الفارهة التابعة للجهات الحكومية عندما وصلوا إلى السلطة، غير أنهم زادوا من عددها واشتروا لأنفسهم أفخم أنواعها. وبلغ سعر آخر طائرة خصصت لأردوغان 185 مليون دولار، كما خصصت سيارة مرسيدس لوزير الطاقة تانير يلديز بقيمة 769 ألف ليرة (290 ألف دولار).
يقول أرينتش “لا تسرفوا حتى في فتات الخبز وكلوه ولا تلقوه في القمامة”، فيا ليته كان تحدث كذلك عن إسراف الذين يشترون السيارات الفارهة بأموال الدولة ويسكنون في القصور الفخمة، ولكنه لا يجد الشجاعة في نفسه للحديث في ذلك.
جريدة بوجون 20/4/2015