جوكهان باجيك
قال لي أكاديمي خبير يعمل في جامعة ديكن التي تعتبر واحدة من أكبر الجامعات في أستراليا: “بسبب ما يحدث في تركيا الآن بدأت تنهار نظرية التوافق بين الإسلام والديمقراطية التي كان المسلمون يدافعون عنها منذ قرن من الزمن”.
كانت تركيا حتى 5 إلى 6 سنوات مضت تمدح على أنها “نموذج” يحتذى به على مستوى العالم الإسلامي، غير أنها أصبحت نموذجًا سيئًا منذ وقت ليس بقريب. رأيت في جامعة ديكن طلاب دكتوراه يستعدون لكتابة رسالة تحمل عنوان “لماذا تعود تركيا إلى الاستبدادية؟”.
في الواقع فإن التيار الإسلامي في تركيا دخل طريقًا مسدودًا. ولو فشل البعض من داخل التيار الإسلامي في اللجوء إلى النقد الذاتي وإقناع الآخرين بتحديد طريق جديد فإن الوضع سيزداد سوءا. وحينها سيكون البديل الوحيد لدى الإسلاميين هو “تأسيس نظام جديد” أو بالأحرى تأسيس نظام إسلامي. هل يمكنكم أن تتخيلوا ماذا سيحدث في تركيا إذا سقط نظام حزب العدالة والتنمية؟
ولهذا السبب فإنه بمرور الأيام لن يبقى أمام الإسلاميين سوى “تجربة تأسيس نظام جديد” .أما الشيء الوحيد الذي سيفعله من يواجه مشاكل
حقيقية عندما يفشل في الحفاظ على موقعه بالسلطة فهو” تأسيس نظام جديد وتشكيل الأسس التي تضمن بقاءه لأطول فترة ممكنة”.
وهل يمكن تحقيق ذلك؟
ما الذي تراه النخبة الإسلامية في تركيا مختلفا عما نراه نحن؟ ماذا سيقول سائر أطياف المجتمع حول تجربة نظام جديد؟ كيف سيقنعون هذه الشريحة؟ فإن الأساليب الاستبدادية هي أكثر الأساليب المعتبرة في تأسيس نظام جديد. ولكن هل يجدي ذلك في دولة كتركيا؟
أو ماذا سيكون موقع “تركيا الجديدة” في العالم من خلال الخطاب والترجيحات الحالية؟ وهل يعتقد الإسلاميون أنهم سيجدون حلفاء لهم في الخارج من خلال السياسة التي يتبعونها؟
هل يفكرون على نحو “لنفعل ما يجب علينا فعله حتى موعد الانتخابات وبعد ذلك نعود إلى طبيعتنا”؟ بيد أن الإسلاميين في تركيا أيقظوا “الدولة الاستبدادية” من جديد؟ ولهذا السبب يكون محض الخيال أن يتوقع أحد أن هذه الدولة تصغي إلى ما يقال لها ولو أراد الإسلاميون أنفسهم ذلك.
يحكم الإسلاميون تركيا منذ أكثر من 12 عامًا، غير أنهم فشلوا في تحقيق تحول هيكلي في المجال الاقتصادي وكذلك في إنشاء ولو ثلاث علامات تجارية عالمية، فهل يمكن أن يفعلوا ذلك في وقت تسير فيه الأمور بشكل متوتر على هذا النحو؟
هناك غموض حول مرحلة ما بعد الانتخابات
لو وصل حزب العدالة والتنمية إلى أغلبية تمكنه من تغيير الدستور فهذا يعني أن حزب الشعوب الديمقراطية سيفشل في دخول البرلمان، وهو ما سيؤدي بدوره إلى زيادة التوتر في تركيا.
لم تعد لدى حزب العدالة والتنمية مهارة “الفرملة” لأنه صار يشبه بناء الدولة الحزبية التي عليها أن تكبر حتى يبايعها جميع رؤساء الجامعات ورؤساء النقابات وقادة الجيش ومحافظي المدن. ذلك أن شيئا وحيدا لا تستطيع الدولة الحزبية السيطرة عليه يمكن أن يفسد “اللعبة” كليا. وتبدو هذه الدولة قوية من الخارج لكنها “لا تستطيع النوم في الليالي”. فعلى سبيل المثال يمكن لشعار بسيط يكتبه مواطن عادي على قميصه أن يفسد طمأنينتها.
يشبه الاستبداد بالنسبة لدولة ما بداية تعاطي مخدر الكوكايين. فلا يستطيع الإنسان أن يوقف تعاطيه. ولم يسبق لأي من المستبدين أن “تاب” ليتحول إلى طفل ديمقراطي مهذب.
وعندما يبدأ أحد بالسير في طريق الاستبداد فإما ـن “يؤسس نظامًا استبداديًا” أو “يتعرض لحادث وسط الطريق ويدفع الثمن غاليًا”.
كانت الأديبة التركية المعروفة خالدة أديب آديوار قد وصفت الأحداث خلال سنوات الكفاح الوطني التركي عقب الحرب العالمية الأولى بـ”اختبار المواطن التركي مع النار”. وربما يمكن وصف المرحلة الحالية بأن “الأتراك يلعبون بالنار”.
إذا لم يقدم من يحكمون تركيا حاليًا على مناورات حصيفة خلال الشهرين القادمين سيلغَى التطبيع والعودة إلى الوضع السابق في تركيا لفترة. وحينها سيكون التعبير الوحيد الذي يمكن أن يقوله لكم علم السياسة: “إذا كنتم تسيرون نحو حالة من الفوضى فأتمنى أن تكون فوضى خلّاقة”.
جريدة بوجون 18/4/2015