طوبى كابلان
تناولنا ماضي السياسة ومستقبلها في تركيا مع السياسي المخضرم برهان أوز فاتورا، الرئيس الأسبق لبلدية إزمير الكبرى، الذي بدأ اسمه يطرح على أجندة الرأي العام من جديد بعدما كتب خطابًا إلى نائب رئيس الوزراء بولنت آرينتش.
يقول أوزفاتورة: “يعتقدون أن الله سيغفر لهم إن ذهبوا إلى أداء مناسك العمرة بطائرة رجل الأعمال الإيراني رضا ضرّاب”.
كتب أوزفاتورا خطابًا ملفتًا إلى آرينتش. لم يستطع أن يخفي فيه ما بداخله وما يجب قوله، مراعيا حق الصداقة التي جمعته بآرينتش لأربعين عامًا، فأراد أن ينذره بوجود مخرج أخير قبل الدخول في الجسر الذي تسير عليه تركيا. وسيشعر أوزفاتورا براحة الضمير ولو بعض الشيء حتى لو لم يتلق ردًا على خطابه من آرينتش. وكان هذا الاسم أحد أبرز السياسيين المخضرمين الذين مارسوا العمل السياسي في عهد حزبي الوطن الأم والطريق القويم.
وفيما يلي نسرد نص الحوار الذي أجريناه مع أوزفاتورا:
تحدث الكثيرون عن الخطاب الذي كتبته إلى آرينتش، فما الذي دفعك لتكتب خطابًا كهذا؟
تجمعني صداقة مع آرينتش منذ عام 1975، أي منذ 40 عامًا. كانت الحكومة التركية عام 1976 قد استهدفتني لكسر غروري. أصدرت تعليمات ببناء صالة طعام طعام لموظفي المالية وحضانة للأطفال ومساكن للشباب، فاعتبروا كل هذا جريمة. وقد تولى آرينتش الدفاع عني (إذ كان يعمل محاميا وقتئذ) في كل الدعاوى دون أن يطلب مليمًا كأتعاب. وبرأتني المحكمة من جميع الدعاوى، فأنا مدين له بذلك. وأعلم أنه لا يتناسب مع نموذج حزب العدالة والتنمية الحالي.
كيف لشخص يعتبر من أبرز الشخصيات داخل الحزب ألا يتناسب مع هذا النموذج؟
لأن آرينتش لا يشارك في الفساد، ولا يتنازل ليرضى بالحرام، فهو شخص متواضع حقًا. فلم يصبه أي منصب تولاه بالغرور، وهذه أشياء لا ترى في حزب العدالة والتنمية، فتركيا تحولت إلى دولة فساد. ترى وجه آرينتش لا يضحك أبدًا، وأحيانًا نرى ضميره يتكلم. يقول أشياء جيدة، لكن يتقدم خطوة ويرجع إلى الخلف خطوتين. وهو شريك في الجريمة وإن لم يرتكبها، ووضعه هذا يصعّب حسابه أمام الله يوم القيامة.
قال إنه سيكشف النقاب عن بعض الحقائق بعد الانتخابات البرلمانية يوم 7 يونيو/ حزيران المقبل…
الأمس ولّى، والغد مجهول، واليوم هو الوحيد الذي في يدنا. فليس لأحد منا تعاقد مع الله تعالى. هذا فضلًا عن أن الحديث بعد الانتخابات ليس له معنى. عليه أن يفصح عن الحقائق حتى يعود الشعب إلى صوابه. فتركيا أصبحت في أجواء غريبة، فرغوا الدين من جوهره، وأصبحوا يتحركون بمبدأ ” اللهم ازرقنا سواء كان من الحلال أو الحرام فإن عبدك يأكل ولا يشبع”. ويعتقدون أن الله سيغفر لهم إن ذهبوا لأداء مناسك العمرة بأموال حرام على متن طائرة رجل الأعمال رضا ضرّاب الإيراني.
هل تشعر أحيانًا بخيبة أمل عندما تنظر إلى تحول آرينتش من الماضي إلى اليوم وتقول “كأنني لم أعرفه من قبل”؟
لا أقول “كأنني لم أعرفه من قبل”، لكنه يقدم على تصرفات لا أراها تليق به. فهل أصبح من مهامه الدفاع عن الجرائم والمجرمين؟ كان رجلًا لا يخاف النطق بكلمة الحق حتى في أيام الانقلابات. ولا أفهم كيف أسره الرئيس رجب طيب أردوغان. فليس على آرينتش دية يجب أن يؤديها لأحد. بل على العكس فقد ارتقى الجميع على ظهره. وعندما أنظر إلى الفريق الحكومي فهو أفضلهم على الإطلاق. وهو ليس مدينًا لأردوغان أو جول بشيء، بل هو مدين لله بكل شيء. ولن ينقذه أحد منهم من الحساب في الآخرة.
نشأ في عهد حكومتهم لصوص من بين المصلين
برأيك لماذا لم تستطع الأسماء التي لها ثقل داخل حزب العدالة والتنمية كآرينتش أن يجعلوا كلمتهم مسموعة في الوقت الراهن؟
إذا سكتت فهذا يعني أنك شريك في الجريمة. هناك 60 شخصًا أعرفهم منذ 30 أو 40 عاما وكلهم صامتون اليوم. نكرر كثيرا أن “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، لكن الجميع مصابون اليوم بالخرس. هناك حديث شريف قلته لأوزال وتانسو تشيلر وأردوغان في بداياته: “يرزق الله الحكام الذين يحبهم بمستشارين لا يخافون قول الحق، ويسلط على من لا يحبهم المتملقين”. والآن المتملقون في كل مكان، وهناك من يرتكبون جريمة الشرك باستمرار. فهناك من يقدسون أردوغان ويقولون “هو بالنسبة لنا كنبي ثان، فحتى لمسه يكسب ثوابًا”. إن الله ما أصبره سبحانه إذ لا يحولهم إلى أحجار. ومهما فعلوا فلا يمكن لهم أن يعوضوا عن شيئين: حق العباد ومعصية الشرك. وهم قد ارتكبوا هذين الذنبين العظيمين كثيرًا وانغمسوا فيهما من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.
هل تتعجب حيال تغير حزب وسياسيين وثق فيهم الشعب وأحبهم إلى هذه الدرجة؟
أنا أيضًا صدقتهم عام 2002، وبعدها رأيت أن كل شيء كان عبارة عن سيناريو. كان يقول “One minute”، ويؤسس في الوقت نفسه علاقات في الخفاء مع إسرائيل، وتذهب سفن ابنه إلى هناك وتأتي بالتجارة باستمرار. وأينما أمعنتم النظر تجدون أن هناك سيناريو قذرا. فإن غلب حب الدنيا على إيمان الإنسان وطمع في نيل متاع الدنيا فلا بد من التغيير إلى الأسوأ ولا محالة من التفسخ. إنهم لا يفكرون في كيفية التصالح مع 77 مليون مواطن والتخلص من حقوقهم؟ ولا أفهم التغيير لدى الشعب أيضا.
كيف ذلك؟
كان هناك بعض الناس فيما مضى لا يحبون المتدينين، لكنهم كانوا يقولون رغم ذلك “إن هؤلاء يصلون ولذلك لا يسرقون”. ولكن اليوم نشأ جيل جديد من اللصوص المصلين. عندما وصلوا إلى السلطة كانت نسبة المصلين بين الشعب 40%، والآن تراجعت هذه النسبة إلى 18%. لقد أفسدوا كل شيء.
سينفذون كل ما بوسعهم من الإجراءات والعمليات حتى لا يفقدوا السلطة
هل صادفتم أشياء شبيهة لما يحدث اليوم في الماضي؟
دعوكم من الماضي، نحن نعيش واحدة من أكثر مراحل التاريخ التركي ظلامًا. فلم يشهد أي عصر من عصور تاريخ تركيا هذا الكم من الفساد والضغوط والظلم والاعتداءات والافتراءات والإساءة.
ما هي توقعاتكم للانتخابات البرلمانية المقبلة؟
إن يوم 8 يونيو / حزيران، هو عيد ميلادي، وأدعو الله أن تكون هدية عيد ميلادي هذه المرة هي التخلص من حزب العدالة والتنمية. (يضحك) وإن فاز (لا قدر الله) مرة أخرى في هذه الانتخابات أيضا سيلبس الانقسام الفعلي ثوب الشرعية. وستمر سنوات حتى تعود الانتخابات الديمقراطية إلى تركيا من جديد. فيجب على كل من يحب هذا البلد أن يشارك في الانتخابات. ولو أن 15 مليونا من الناخبين الذين لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لم يخونوا تركيا لما استطاع أردوغان أن يكون رئيسًا اليوم. وإنهم سينفذون كل ما بوسعهم من الإجراءات والعمليات حتى لا يفقدوا السلطة. آمل أن تبدأ حقبة الحكومات الائتلافية وألا يكون فيها حزب العدالة والتنمية. غير أن حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية لم يكونا متقنين في اختيار المرشحين. فحزب الشعب الجمهوري رشح عددًا كبيرًا من الصحفيين في الانتخابات، فهل هم يريدون إصدار صحيفة أو يرغبون في حكم البلاد؟
تأسس حزب العدالة والتنمية بأموال حرام
لم يستطع حزب العدالة والتنمية الفوز برئاسة بلدية إزمير إلى اليوم، فهل قدموا لك عرضًا للفوز برئاستها؟
عرضوا علي الترشح قبل تأسيس الحزب. كما عرضوا علي رئاسة البلدية في الانتخابات المحلية. غير أن أفكاري مختلفة تمامًا بشأن الدنيا والدين معهم منذ البداية. فليس لديهم حساسية بشأن حقوق العباد. أعرف كذلك فترات توليهم رئاسة البلديات. وأعرف كيف أصبحت عائلة آلبيراق (صهر أردوغان) غنية خلال رئاسة أردوغان لبلدية اسطنبول الكبرى. إن عالم أفكارنا مختلف، وأنا لا أبايع أحدًا غير الله. لم أرغب في الانضمام للحزب عند تأسيسه لأنني كنت أعلم أنه تأسس بأموال حرام. وكانت ترد إلينا معلومات حول ذلك، وكنا نعلم كيف تحولت جوامع الرؤية الوطنية إلى فروع مصرفية وكيف تأسست “قناة 7”. وكان هناك من يروي لي كيف كان زاهد آكمان يأتي بالأموال في الحقائب. ومن أين حصلوا على الأموال التي أسسوا بها حزب العدالة والتنمية؟ فماذا كنت سأفعل داخل حزب تأسس بأموال حرام؟
أنت شخصية عرفت تورجوت أوزال عن قرب، فكيف تفسرون العبارة التي تقول إن “أردوغان هو خليفة أوزال” بحكم أنك عاصرت الحقبتين وتعرف كل شيء عنهما؟
هذا كلام خاطئ، فليس لهذا علاقة بذاك. فهذه عبارة تقال من أجل تنويم الشعب. وعلينا الاعتراف بأن حزب العدالة والتنمية يجيد تنفيذ العمليات الغوغائية وعمليات غسيل المخ وشغل الرأي العام. وأحزاب المعارضة تخدَع هي الأخرى.
هل المعارضة فقط هي التي تخدَع؟ فماذا عن المواطن؟
إن المواطن يميل إلى أن ينخدع. لأنه يفكر فيما سيحصل عليه من المصالح، فالجميع يهتم بجيبه الشخصي قبل كل شيء. وللأسف فقد أصبحنا في بلد المصالح إلى هذا الحد. وقد وصلت معدلات التهريب وتجارة المخدات والشذوذ والزنا والعنف ضد المرأة إلى أعلى مستوياتها. فتعاطي المخدرات زاد 17 ضعفًا في السنوات الثلاث الماضية. والحكومة على دراية بمصدر وكيفية دخول هذه المخدرات إلى البلاد، لكنها لا تمنع ذلك، لأن بعض أنصارها أيضا يتورط في تجارة المخدرات.
لقد استغلت الحكومة افتراءات الكيان الموازي وبدأت تتخلص من رجال الأمن المخلصين الذين كانوا يكافحون الإرهاب والسرقة. كما قضي على جهاز المخابرات تماما، واستشهد المدعي العام محمد سليم كيراز في هجوم إرهابي غادر. فماذا كانت تفعل المخابرات؟ كانت منشغلة بتصنيف المواطنين حسب انتماءاتهم وتنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية. لقد أصبحت جميع مؤسسات الدولة من مخابرات إلى رقابة الإعلام والشؤون الدينية والرقابة المصرفية وصندوق المدخرات وتليفزيون الدولة ووكالة أنباء الأناضول وغيرها بمثابة بوق في يد صاحبها، يصدر منها جميعا صوت رئيس الجمهورية…
إن تركيا لا تستحق كل هذا. وإن المواطنين لا يرون ذلك، لكن النوم يجافى عيني. والسبب الأول في كل ما يحدث هو حكومة حزب العدالة والتنمية. إنهم أفسدوا كل شيء وجعلوا كل الناس يلهثون وراء مصالحهم. أفسدوا البعض بالمناصب والبعض بالأموال والبعض الآخر بالنساء.