شاهين ألباي
سيحيي الأرمن حول العالم يوم 24 أبريل / نيسان الجاري الذكرى المئوية للكارثة الكبرى التي تعرض لها أجدادهم الذين كانوا يعيشون تحت حكم الدولة العثمانية. وللأسف فإن المصالحة التركية – الأرمينية لا تزال بعيدة المنال بعد قرن من هذه الفاجعة بالرغم من الخطوات الإيجابية التي شهدناها في السنوات الأخيرة. وأود أن أشارك قرّائي الكرام آرائي بشأن المرحلة التي وصلنا إليها، وذلك بمناسبة الذكرى المئوية لهذه الأحداث.
لا ريب في أن التهجير القسري لنحو 1.2 مليون أرميني عثماني من ديارهم خلال الحرب العالمية الأولى، بخلاف المقيمين في إسطنبول وإزمير، وموت نصف هذا العدد على الأقل بسبب الغارات والجوع والأوبئة يعتبر من أكبر الوقائع المأساوية في تاريخ البشرية. ولا يمكن أن نقدم العذر، بأي شكل، للعقاب الجماعي للأرمن بسبب ما ارتكب بعض الأرمن القوميين والانفصاليين من جرائم أثناء تمردهم على الدولة العثمانية، علما بأنهم ما كانوا يمثلون جميع الأرمن.
يجب على الحكومة التركية عدم غضِّ الطرف عما شهده التاريخ، كما يجب عليها مواجهة “الجريمة التي ارتكبتها الحكومة العثمانية ضد البشرية”. وكان تقديم رجب طيب أردوغان أثناء توليه منصب رئيس الوزراء قبل عام العزاء للأرمن خطوة جيدة في الطريق الصحيح، لكنها لم تكن كافية؛ إذ يجب الاعتذار للأرمن وتعويض من صودرت ممتلكاتهم ومنح الجنسية لمن يريد من الأرمن الذين ينحدرون من أصول أناضولية.
يصرّ القوميون الأرمن على وصف تلك الواقعة المأساوية بـ”الإبادة” للانتقال إلى مرحلة توافق بين تركيا وأرمينيا. بيد أن هناك نقاشا حول ما إذا كانت الواقعة المذكورة تتطابق تماما مع التعريف الغامض الموجود في اتفاقية للأمم المتحدة وقعت عام 1948 يذكر فيها وصف” الإبادة الجماعية”، والتي لاتسري أحكامها، بأية حال، على ما حدث قبلها من وقائع. وما حدث للأرمن هو واحدة فقط من الوقائع المأساوية التي شهدتها فترة انهيار الدولة العثمانية. ولا شك في أن محاولة تشبيه ما حدث بإبادة اليهود يعد أمرا غير منطقي. فالانفصاليون الأرمن تحالفوا مع روسيا خلال الحرب وتمرّدوا من أجل الانفصال عن الدولة العثمانية. ولقد حاول العديد من الأتراك والأكراد، بمن في ذلك الموظفون الحكوميون، مساعدة الأرمن لإنقاذ حياتهم. واستطاع العديد من الأرمن النجاة بأنفسهم إما عن طريق الهروب إلى روسيا أو تغيير ديانتهم. كما قتل القوميون الأرمن أعدادا كبيرة من الأتراك والأكراد.
ولو أن الأغلبية الكاسحة من مواطني تركيا لا يقبلون بوصف ما حدث للأرمن العثمانيين بـ”الإبادة” للأسباب التي ذكرتها أعلاه، فإن عددًا منهم، ويزيد هذا العدد بمرور الوقت، يعتقدون أن هناك ضرورة لتقديم اعتذار إلى الأرمن بسبب المأساة التي وصفها الأرمن حتى عام 1965 بـ”الكارثة الكبرى”.
إن الإصرار على وصْف ما حدث بـ”الإبادة الجماعية” لا يسهّل عملية التصالح التركي – الأرميني، بل على العكس يعرقله. فقرارات الاعتراف بـ”إبادة الأرمن” الصادرة عن البرلمان الأوروبي والقوانين الصادرة بشأن “معاقبة من ينكر الإبادة” يفهمها الرأي العام التركي على أنها إهانة لتركيا وابتزاز لها. وللأسف فإن البروتوكولات التي وقعت بين أنقرة ويريفان عام 2009، واقترحت تأسيس علاقات دبلوماسية وفتح الحدود بين البلدين، بقيت حبرًا على ورق. ولا يمكن أن نغضّ الطرف عن أن هناك دورًا في هذا التطور لمواصلة أرمينيا احتلال خمس أراضي أذربيجان ومواصلة نحو مليون مواطن أذربيجاني حياتهم وكأنهم لاجئون في وطنهم.
يجب أن يركِّز المخلصون المؤيدون لتطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا على تنفيذ البروتوكولات الموقَّعة بين البلدين وليس الاعتراف بـ”الإبادة”. وكما ذكر الصحفي الخبير الكبير في العلاقات التركية – الأرمينية توماس دي وال في تحليل قال فيه: “ينبغي للأرمن أن يتمكنوا من دفن أجدادهم في النهاية ويجب على الدولة التركية أن تعترف بفظاعة ما حدث لأجداد الأرمن. ولا شك في أن هذه السير في طريق التصالح سيسهم في تحويل تركيا إلى مجتمع أكثر انفتاحًا لتتمكن من مواجهة تاريخها. وإذا نجح الطرفان في تنفيذ هذا، فما بعد ذلك سيأتي لا محالة”. (راجع: “The G – Word: The Armenian massacre and the politics of genocide – المجزرة الأرمينية وسياسة الإبادات” الشؤون الخارجية، يناير / كانون الثاني – فبراير / شباط 2015).