ياووز بايدر
سيسجّل التاريخ الانتخابات البرلمانية التركية القادمة التي ستجرى في 7 يونيو/ حزيران على أنها استفتاء شعبي سيؤيد الشعب من خلاله أو سيرفض الخضوع لنظام استبدادي يديره شخص واحد على حسب هواه.
يريد رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن يدلي كل ناخب بصوته بعد التفكير فيه شخصيًا. وهذا هو سبب انتهاك مبدأ الحيادية في الدستور كل يوم ومواصلة حزب العدالة والتنمية للنظام الرئاسي بشكل فعلي دون أن يكون ذلك معترفًا به حتى بشكل شفهي.
فالشخص الأوحد أصبح في النفق المغلق لفشل الإدارة التي تؤسسها الأجندة التي تبناها كل يوم من هنا وهناك.
فهو يلعب– بغير مبالاة – بجميع الأوراق التي بين يديه في سبيل إضفاء الشرعية على الطريق المظلم الذي جرّ إليه البلاد وضمان مستقبله الشخصي وحصانته وإعفائه من العقاب.
يتخبّط، ويقول “أنا أهم من كل شيء”. وينشر إشارات تقول “أنا أو الطوفان”. “سير الأحداث ليس جيدًا، لكن ما باليد حيلة”.
وبينما كنت أتحدث مع بعض الأكاديميين قبل يومين طرح أحدهم سؤالًا مفاده:
“أخرِجوا السيد أردوغان من صورة هذا الصراع الذي أغضب الجميع وجعل الناس العقلاء يصلون إلى مرحلة الجنون وضَغَط على ملكاتنا العقلية. فكم نسبة زوال المشاكل؟”، فرد عليه آخر بقوله “على أية حال 95%”.
أسمع هذا كثيرًا في الآونة الأخيرة، فالمسألة بسيطة للغاية، كما أن الانتخابات بسيطة للغاية. ذلك أن حزب العدالة والتنمية الذي استسلم لأردوغان راض أيضا بالاستفتاء بـ”نعم” أو “لا” على إدارة الشخص الواحد الاستبدادية.
كان الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش قد صرح في وقت سابق أن أردوغان: “أصبح حِملًا على البلد بأكمله”. أسمع هذه العبارة نفسها من أعضاء حزب العدالة والتنمية المؤثرين أيضا إذ بدؤوا يقولون: “كفى إلى هذا الحد”.
يدرك العديد من الأسماء داخل كواليس أنقرة الانزعاج داخل حزب العدالة والتنمية، ذلك أن البعض يهمس في آذانهم بقوله: “هذا ليس سيرًا طبيعيًا للأمور، لكن ما باليد حيلة”.
إن فكرة “ما لي وشؤون الدولة” تمهد الطريق أمام حكم الاستبداد. فإذا سيطر الخوف والهلع على سياسة دولة ما وبيروقراطيتها وإعلامها وعالم أفكارها وشعبها فهذا يعني أن الباب مفتوح على مصراعيه أمام الطريق الموصل إلى الفاشية.
ربما يستغرب الناخبون الذين يثقون إلى أبعد الحدود بحزب العدالة والتنمية من ذلك الانزعاج الذي تعبّر عنه الأطياف الأخرى. ربما تكون اللامبالاة منتشرة إزاء الظلم وثورات المشاعر التي انعكست من خلال نماذج مثل فاجعة منجم سوما ومقتل الفتى بركين إلوان خلال احتجاجات متنزه جيزي بارك. وربما يكون صراع الإعلام من أجل البقاء ومكافحة أصحاب الهويّات المختلفة من أجل حقوقهم وحرياتهم ومقاومة القضاة والأكاديميين من أجل كرامتهم المهنية يعتبر شيئًا بلا معنى بالنسبة لتلك الفئات الموالية لأردوغان والحزب الحاكم لأنها ليس لها مقابل “بالأموال المتداولة”.
المجتمع كله سيدفع الثمن لكن لا بد للناخب الذي يصوت لصالح حزب العدالة والتنمية أن يدرك أنه طالما لم يعترَف بالحقوق والحريات للجميع ولم تعترف الدولة باحترام المواطن فإنه لا يمكن أن يتساوى الاستقرار السياسي بالاستقرار الاجتماعي، وستكون حالة الأرق والانزعاج والتنازع والبحث عن الحقوق مستمرة.
لم يكن أردوغان ناجحا في أداء واجبه وهو توفير الاستقرار الديمقراطي لشعبه وفشل في ذلك، وكان ذلك بالنسبة له اختبارا تاريخيا. ولو انتقلت تركيا إلى النظام الرئاسي الذي يريده ولو لخمسين مرة، لن يجد إمكانية لحل المشاكل التي تسبب في تفاقهما بشكل مقنع بعد اليوم. وسيكون النظام الرئاسي بلاء على تركيا، وسيدفع الشعب الثمن بشكل جماعي.
إن كلمة رئيس حزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش فيها تنبيهات مهمة إذ قال: “شهدنا على مدار التاريخ القريب والبعيد ماذا ارتكب الزعماء المستبدون من أفعال جنونية من أجل ألا يخسروا مكانهم في السلطة. فلم يتورع صدام حسين وسائر الحكام المستبدين في دول أخرى عن إلقاء شعوبهم في النار حتى لا يخسروا كراسيهم. فما هو فرق أردوغان عن هؤلاء”؟
“يمكننا أن نتخذ الحيطة والحذر من الناحية السياسية، ونحن نفعل ذلك. ونقول يجب على شعبية حزبي الحركة القومية والشعب الجمهوري أيضا أن يكونوا حذرين، وليس قاعدتنا الشعبية وحدها”.
لقد أظهرت الاشتباكات التي شهدتها ولاية آغري شرق تركيا قبل أيام قليلة أن أردوغان يرتب للتراجع عن مفاوضات السلام مع الأكراد ويعود إلى البداية أو إلى “ضبط المصنع” لمنتج انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980، ويتعاون مع النظام الاستبدادي البائد على نحو مستبد.
هذا ما يشعر به الآن الناخب الكردي الذي دعم مفاوضات السلام من أجل توفير جو مطمئن وإنهاء قضايا الثأر الدامية.
كان الكاتب أحمد ألطان قد شدّد على ذلك أول من أمس، إذ قال: “ليس أمام هذه الحكومة أي طريق تسير فيه سوى طريق العنف. فهي بحاجة إلى السلاح والضغط والموت من أجل أن تبقى في السلطة. فإذا لم نستطع إيقاف حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات فسيدفع الشعب التركي الثمن غاليًا بشكل جماعي. ولن يتوقف حينها الموت والضغط والظلم”.
المعادلة بسيطة: سيدخل الشعب التركي انتخابات 7 يونيو / حزيران البرلمانية ليصوت بـ”نعم” أو “لا” على السير في طريق النظام الفاشي.
جريدة بوجون 15/4/2015